كتب محمد سلماوي في الأهرام القاهرية يوم الاربعاء 24/11/2010م
سألني مراسل جريدة الواشنطن بوست الأمريكية عن مشكلة الإخوان المسلمين فقلت إن هناك عدة مشكلات تعترض وصولهم للسلطة, ليس أكبرها محاربة الحكومة لهم,
وأول هذه المشكلات أن الوصول إلي السلطة يتطلب برنامجا سياسيا/ اقتصاديا/ ثقافيا متكاملا وليس فقط شعارا جماهيريا يستثمر المشاعر الدينية للناخبين.
وإذا كنت أقول إن محاربة الحكومة للإخوان ليست أهم مشاكلهم فذلك أنها في كثير من الأحيان تفيدهم, وعلي سبيل المثال فإن عدم تقديم الإخوان برنامجا متكاملا يحدد سياساتهم في مختلف مناحي الحياة يعود إلي أنهم غير مطالبين بهذا, لأن الحكومة تحول دون تحولهم إلي حزب سياسي, وهكذا تظل أفكارهم الرجعية ومواقفهم التي لاتساير تطورات العصر غير مطروحة للنقاش العام, ويبقي عنوانهم الجماهيري الوحيد هو شعار الإسلام هو الحل, وهو شعار فضفاض لايحترم عقلية الجماهير ولايمكن ترجمته إلي سياسات محددة, فأي إسلام هو المقصود؟ هل هو إسلام طالبان الذي يحظر تعليم الفتيات ويحرم الاستماع إلي الموسيقي ويحطم آثار الحضارات القديمة؟ أم هو إسلام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني والفكر المستنير؟ إن الرد علي هذه التساؤلات لايكون بتصريحات متفرقة هنا وهناك, وانما بإعلان برنامج سياسي متكامل وراءه فكر واضح ومتجانس.
إن حكومتنا الرشيدة, بدلا من أن تطالب مرشحي تلك الاتجاهات بتقديم برنامج متكامل, اكتفت بحظر استخدام شعارهم في الحملة الانتخابية, وقد أعفتهم بذلك من أن يطرحوا سياساتهم علي الناخبين, فتخضع أفكارهم للمناقشة العلمية في مجتمع عرف علي مدي تاريخه بالعزوف عن العنف والتطرف والإرهاب, ولا أقصد هنا فقط الإرهاب الذي يستخدم السكين, وانما كل أنواع العنف والتطرف بما في ذلك الإرهاب الفكري, فالقول بسجن المرأة وراء نقاب أسود لايظهر منها شيء هو إرهاب, ورفض توليها المواقع القيادية هو إرهاب, والمطالبة بمصادرة كتب التراث هو إرهاب, والتفرقة بين المسلم والمسيحي هي إرهاب, والتعدي علي الكنائس وبيوت العبادة هو إرهاب, والاقتتال بين السني والشيعي هو إرهاب, والتخلي عن الوطنية والقومية في مقابل الأممية هو إرهاب.
تلك هي الأفكار التي كان ينبغي أن تكون محل نقاش عام أثناء الانتخابات, لكن الحكومة دفعت أصحاب الاسلام السياسي إلي موقع آمن وحصين لايفرض عليهم مناقشة أفكارهم السياسية, وانما يكتفي بالتذكير بأعمالهم الخيرية وهو مايخدمهم في حملتهم الانتخابية خدمة جليلة, فهذه الأعمال تمس مصالح الناس المباشرة في الصحة والتعليم والدعم المادي, وهو ماتفتقر إليه الخدمات الحكومية المتردية.
إن وقوف الحكومة ضد تحول الاخوان إلي حزب سياسي فرض عليهم أن يظلوا جمعية خيرية لها أياد بيضاء علي الطبقات الكادحة دون أن تخضع لأي اختبار حقيقي لأفكارها الدينية والسياسية علي مائدة النقاش.
وقلت للمراسل الأمريكي: إنني لا أطالب بالتخلي عن مبدأ عدم قيام الأحزاب علي أساس ديني, بل أطالب بالالتزام به حتي في حالة تحول الإخوان إلي حزب سياسي, واذا كان في ذلك معضلة فهي معضلتهم هم وليست معضلة الحكومة ولا هي معضلة المجتمع الذي ارتضي هذا المبدأ, وعلي الإخوان أن يتكيفوا معه.
إن المشكلة الحقيقية التي تعترض وصول الإسلام السياسي إلي الحكم ليست هي الحكومة بقدر ما هي أن أصحابه يريدون إقامة الدولة الدينية في مجتمع غاية في التدين لكنه لم يقبل طوال تاريخه الحكم الديني, فطبيعة الشعب المصري تختلف عن غيره من الشعوب الإسلامية, وقد يفيد أصحاب هذا الاتجاه أن يسألوا أنفسهم كيف أن مصر التي كانت دائما قلب هذه المنطقة من العالم ومقر الأزهر الشريف ومركز تحرير بيت المقدس لم تكن أبدا مركزا للخلافة التي تنقلت مابين الشام وبغداد والقسطنطينية, دون أن تمر بالقاهرة.