هل هي المحنة الأولى التي تمر على العرب والمسلمين في زمننا هذا ؟. أعتقد لو أنها كذلك لكان الأمر هين , بل ربما لن نقف عنده كثيراً . ولكن تلك المحنة ( حرق القرآن الكريم ) تتضمن نوعاً من الرسائل لا يمكن لعقلنا القاصر نحن العرب أن نفهمها .
وكل ما يمكن أن نفعله هو أن نتظاهر ونستنكر ضد تلك الحملة المشؤومة .
إنه عمل يستفزُنا , ويتحول إلى غصة تجمد في حلوقنا , فلا نحن قادرين على ابتلاعها , ولا نحن قادرين على لفظها , والأنكى من هذا وذاك أننا غير قادرين على تجاهلها . عندئذ لا نملك إلا أن نجرب ما يقوله أساتذة علم النفس , نحكي , نصرخ , نبكي , نشرك الآخرين في همومنا ... ترى هل يمكنني أن أجرب ؟.
المدعي العام في أميركا ( أيريك هولدر ) Eric Holder يعتبر الدعوة إلى حرق القرآن أمر " خطير وسخيف ".
الجنرال ( دايفيد بيترايوس ) David Petraeus القائد الأعلى للقوات الأمريكية في أفغانستان يقول : " هذا العمل سيسبب مشاكل كثيرة " .
وزيرة الخارجية الأمريكية ( هيلاري كلينتون )Hillary Clinton تطلب من وسائل الإعلام عدم تغطية الحدث , الذي سيحظى بانتباه العالم .
الممثلة الأمريكية ( أنجلينا جولي ) Angelina Jolie استهجنت العمل وحزنت لأجله .
أما نحن فالأمر لا يخصنا . ولسان حالنا يقول ككل مرة : " أزمة وتنتهي " , " فقاعة صابون " , " زوبعة في فنجان " .. فهناك ما هو أهم يشغلنا عن الإدلاء برأينا في هذا الحدث , ألا وهو رأينا بباب الحارة , وتخت شرقي , وما ملكت أيمانكم ... لن أتابع العد وقد ينتهي المقال ولا تنته سلسلة المسلسلات.
إن ما دعا إليه القس الأمريكي ( تيري جونز ) Terry Jones لحرق القرآن الكريم أحياء لذكرى الحادي عشر من أيلول, لا يخرج من دائرة التحريض الصهيونية على العرب والمسلمين بل يندرج ضمن خطة طويلة الأمد أعدتها دوائر الصهيونية العالمية في سبيل تزكية نار العداء العالمي للدين الإسلامي , وتشويه صورته منذ أحداث الحادي عشر من أيلول وحتى الآن .
[/][/]
ولكن هل يجهل المسلمون هذا ؟ هل تفاجؤوا ( كعادتهم الدائمة ) بهذا العمل ؟ هل نلقي باللائمة على القس الأمريكي ومؤيديه ؟ أم نلقي باللائمة على من يُحرق قرآنهم ولسان حالهم يقول " إن للكعبة رب يحميها " ؟ . إننا إذا أخذنا الحوار مأخذ الجد , فلا بد أن نعرب عن الدهشة لهذا المنطق الذي يحاول دائماً إخفاء العجز بالتمسح بمشيئة الله , كما لو أن حركة الكون ليس لها أسباباً أو مسببات. كيف يريد المسلمون الانتصار لدينهم وهم يخالفون موقف الإسلام الشديد الوضوح . دعونا من لعن الولايات المتحدة الأمريكية , ودعونا من الكلام عن المؤامرة , ودعونا من استنكار هذا الحدث على الأقل للحظات .
أليس التغيير قانونا سماويا " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ؟.
أليس الحصاد يكون من نفس الزرع " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره , ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره " ؟
أليس النصر حليف من يعمل بجد " إن تنصروا الله ينصركم "
فأين نحن من هذا ؟ إننا نظلم القدر عندما نحمله مسؤولية انكسارنا وعجزنا وضعفنا , إننا مطالبون على الدوام بأن " نعقل " ثم " نتوكل بعد ذلك , ولكن لا عقلنا ولا توكلنا , لهذا سقطت حصانتنا وحصننا. وبدأنا نعترض على كل عمل مناهض لديننا بالمظاهرات وحرق السفارات والأعمال العشوائية , غافلين عن أن تلك الأعمال تعبر عن العجز والضعف والضياع.
لقد جعل المسلمون من القرآن الكريم عربة أُلحقت بقطار تدور عجلاته ينطلق إلى المجهول . بينما جعل اليهود توراتهم يتصدر عربة القيادة . فقتل العرب كان باسم التوراة . واحتلال أراض الضفة كان في التوراة ( يهودا والسامرة ) . وحتى عندما يخاطب قادة إسرائيل العالم عن فلسطين يقولون ارض الميعاد... لقد تمسكوا بتوراتهم وتخلينا عن كل تعاليم الخير والسماحة والرفعة في قرآننا.
صار شيخنا رجل سياسة يستخدم سلاح الدين , بينما حاخامهم ظل رجل دين يستخدم سلاح السياسة .
صار شيخنا موظف حكومة منضبط يخاطب الناس , وصار حاخامهم حارس الدين الذي يخاطب السلطة
صار شيخنا ( مفتي الأزهر ) يغض البصر عن أراضي المسلمين المغتصبة غير المصرية والقدس على رأسها , بينما حاخامهم وضع نصب عينيه ارض الميعاد ويصفنا نحن بما قاله التوراة " الغرباء "
إنه لمن السهل جداً أن نرفع شعارات العودة إلى القرآن , وندغدغ به مشاعر وعواطف الجماهير , لكن المشكلة الحقيقية والعميقة تكمن في كيفية العمل على ترجمة القرآن إلى إطار واضح للعمل في كل مجالات الحياة .
وهي معضلة كبيرة لم تحل لأسباب بينها أن البعض يفضلون المظاهرات الصاخبة , والأصوات العالية على حساب الجدية والوعي والعمل الهادئ , وليس في ساحات الشوارع ومكبرات الصوت المستنكرة لأي فعل غير مسؤول . وإذا بقينا كذلك سيحرق القرآن الكريم في غير مكان , ولن نسمع أو نرى ذلك لأننا مشغولين برؤية الحلقة الأخيرة من " وما ملكت أيمانكم ". وفهمكم كفايه........
__________________________
يجب أن نصمت في بعض الأحيان كي يسمعنا
أحيانا يكون الصامت هو صاحب أعلى صوت