ملكة الاحزان مشرف سابق
الدولة : المحافظة : البحيرة المدينة : دمنهور الجامعة : الإسكندريه فرع دمنهور الكلية : كلية الآداب الفرقة : الرابعة قسم : التاريخ الشعبة : عامة عدد المساهمات : 4154 العمر : 35 الجنس :
| موضوع: تحركات المسلمين العسكرية قبل بدر الأربعاء 23 سبتمبر 2009, 00:17 | |
| تحركات المسلمين العسكرية قبل بدر بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة, والتفاف أهلها حوله مؤمنين بدعوته , توقعت قريش أن يبادر هو وأصحابه من المهاجرين والآنصار بالثأر منهم , والانتقام لما صنعوه معه , ومع أصحابه من إيذاء وتنكيل , حتى اضطروهم إلى الهجرة إلى الحبشة , ثم إلى يثرب , ولكن الثأر والانتقام لم يكن أبدا من أهداف الإسلام , ولم يكن يوما وسيلة لنشر هذا الدين الذي ارتضاه الله للعالمين , والله تعالى يقول : " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " ( النحل : 125 ) . وعندما نزلت الآية الكريمة التي تدعو إلى إعداد القوة للأعداء , لم يكن الهدف منها شن الحرب على الأعداء بلا ضوابط , وإنما كان الهدف حماية المسلمين من أعدائهم , وردعهم عن الجرأة على عليهم , والاستهانة بقتالهم , فهي وقاية من الحرب , وليست حثا عليها , قال تعالى : " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ " ( الأنفال : 60 ) . وفي ضوء ما سبق ينبغي أن ننظر إلى تلك السرايا , أو المجوعات المسلحة التي وجهها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طريق القوافل المارة بين الشام ومكة , وأول هذه السرايا قادها حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه, حين أمر بالخروج إلى هذا الطريق في ثلاثين رجلا من المهاجرين والأنصار , حتى بلغوا سيف البحر , واعترضوا لقافلة قرشية متجهة إلى بلاد الشام يقودها أبو جهل.. والتقى الفريقان , واصطفوا للقتال , لولا أن حجز بينهم " مجدي بن عمرو " شيخ قبيلة جهينة , لم يزل يمشي بين هؤلاء وهؤلاء حتى انصرف القوم , دون أن يحدث بينهم قتال ..( مغازي الواقدي 1/ 9 ) . علم رسول الله بما صنع مجدي بن عمرو فأثنى عليه خيرا , وقال : " إنه ما علمت ميمون النقيبة , مبارك الأمر " وعندما قدم عليه رهطه بالمدينة كساهم , وصنع إليهم خيرا , مما يوكد حرصة لصيانة الدماء وحقنها . وفي شوال من من نفس السنة , وهي السنة الأولى للهجرة عقد لواء لعبدة بن الحارث , ووجهه إلى "رابغ " فخرج في ستين راكبا , فلقي أبا سفيان بن حرب على ماء في بطن رابغ , ومعه مائتان من قريش , فقام سعد بن أبي وقاص فرمى بما معه من سهام حتى أفناها , ولم يرم بسهم إلا أصاب إنسانا أو دابة , لكنهم لم يسلوا السيوف , ولم يصطفوا للقتال.. وانصرف بعضهم عن بعض , وولى رجال قريش مرعوبين . ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه حتى بلغ "الأبواء " يعترض لعير قريش , فلم يلق أحدا من الأعداء , ووادع "بني ضمرة " من كنانة على ألا يعينوا عليه أحدا . وكذلك صنع صلى الله عليه وسلم في غزوة " بواط " وفي غزوة " ذي العشيرة " إذ خرج يريد أن يعترض قافلة تجارية لقريش , وكان معه في "ذي العشيرة " مائة وخمسون أو مائتان من أصحابه , لكنه لم يدرك القافلة , ولم تحدث مواجهة بينه وبين قريش . ويبدو من أخبار هذه التحركات المسلحة في شكل سرية أو غزوة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يهدف إلى مواجهة قريش , أو القتال مع حراس القوافل القرشية ؛ لأن ذلك لن يحسم المعركة , ,إنما فيه إراقة لدماء نفر منهم ومن أعدائهم .. ولكن الهدف الرئيس من هذه التحركات كان هدفا سياسيا ونفسيا , يتمثل في إشعار قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قادرون على النيل منهم , بقتل عدد من حراس هذه القوافل , أوالاستيلاء على بعض ما تحمله من أموال , وأن الأمان الذي كانت تتمتع به قريش , وتمنع به قوافلها بحكم أنهم أهل البيت أصبح مهددا ؛ بسبب ما صنعته قريش بأبنائها من اضطهاد وفتنة , وأن على شيوخ قريش أن يعيدوا حساباتهم بمنطق المنفعة المادية , ويدركوا أن تجارتهم التي هي عماد حياتهم حياتهم لن تكون آمنة إلا بالتفاهم مع هذه القوة الجديدة التي ظهرت في يثرب , تحت راية الإسلام .. وأنه لا مناص أمامهم إذا أرادوا تأمين تجارتهم سوى التفاهم مع هذه القوة , وعقد صلح معها أو هدنة , وأن ذلك يحفظ لهم أموالهم , ويحقن دماء أبنائهم , ولن يكلفهم شيئا من الغرم , ولن يطلب منهم محمد صلى الله عليه وسلم شيئا سوى الكف عن إيذاء أصحابه المستضعفين في مكة , وتحريرهم من قيود الأسر , ووضع حد للحرب التي شنوها عليه , وعلى أتباعه داخل مكة وخارجها . فالمسلمون بعد هجرتهم إلى يثرب لم يعودوا مضطرين إلى أن يقابلوا الأذى بالصبر والاستكانة , مثلما كان الحال في مكة , وأن على قريش إذا أصرت على موقفها المتجبر أن تتوقع ردود فعل لهذا التعنت , يتمثل في ضربات انتقامية من جانب المسلمين الذين أذن الله لهم بالقتال , وتكفل لهم بالنصر " أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ " ( الحج : 39). كان هذا هو الهدف الرئيس من هذه التحركات المسلحة , إلى جانب أهداف أخرى يمكن أن تحققها هذه التحركات , ومنها تدريب المسلمين على التحركات العسكرية , وإزالة ما في نفوسهم من رهبة للأعداء , ومنها عقد تحالفات مع بعض القبائل القريبة من المدينة , حتى لا تكون عونا للأعداء , وهذا ما صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع "بني ضمرة " عندما خرج صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في غزوة " ودان " إذ عقد معهم عهدا ألا يعينوا عليه أحدا , وكذلك صنع مع بني مدلج في غزوة " ذي العشيرة " . ولو أن قريشا استجابت لنداء العقل , وتحررت من مشاعر الحقد والضغينة ضد النبي وأصحابه ؛ لبادروا إلى عقد هدنة يؤمّنون بها تجارتهم , ويخلون فيها بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر القبائل في الجزيرة العربية , حتى يروا لمن تكون العاقبة , لكن ما في نفوس زعمائهم من ضغينة وكبرياء صرفهم عن التفكير في ذلك , ودفعهم الغرور الأحمق إلى الاستهانة بهذه القوة الوليدة في يثرب , وزين لهم شيطانهم أن هؤلاء لن يجرءوا على خوض قتال معهم , فهم لم يرفعوا عليهم سيفا , أو يقتلوا منهم أحدا ـ رغم ما لاقوه من اضطهاد على أيديهم ـ حتى عندما واجه بعضهم بعضا .. إلى أن حدث ما حدث في " بطن نخلة " بالقرب من مكة عندما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش ومعه نفر من أصحابه " يترصدون عير قريش في طريق عودتها من نجد , فسار حتى وصل إلى هذا المكان , فوجد عيرا لقريش فيها نفر من بني مخزوم , ومعهم عمرو بن الحضرمي , فرمى واقد بن عبد الله " ابن الحضرمي" بسهم فقتله , وحملوا عليهم , فاستأسر اثنان منهم , وهرب واحد , واستاقوا العير , فقدموا بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وقد حدث ذلك في آخر يوم من رجب , وهم يظنون أنه اليوم الأول من شعبان , فقالت قريش : قد استحل محمد الشهر الحرام , وأصاب الدم والمال , وقد كان يحرم ذلك ويعظمه .. فلما قدم عبد الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقّف العير , فلم يأخذ منها شيئا , وحبس الأسيرين , وقال لأصحابه : " ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام .." وروي أنهم لم يؤمروا بقتال في الشهر الحرام ولا غيره . ولم تُجد هذه التحركات المسلحة في إقناع قريش بالحوار أو التفاوض مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه , حتى بعد هذا التحرك إلى استخدام السلاح الذي أفضى إلى قتل فرد وأسر اثنين منهم . ولذلك قرر النبي صلى الله عليه وسلم الاستمرار في هذه التحركات , ودفعها خطوة إلى الأمام ؛ حتى تعرف قريش أن الأمر جد لا هزل , وأن المسلمين إذا كانوا قد كفوا أيديهم عن القتال في جل هذه التحركات , فليس ذلك جبنا ولا رهبة من قريش , وأنهم قادرون على الخروج بعدد أكبر يمكنهم من الاستيلاء على قافلة قريش , وقادرون على تحمل عاقبة هذا العمل الذي قد يؤدي إلى المواجهة المسلحة مع قريش وحلفائها في ساحة القتال . وهذا ما حدث عندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم , وندب معه أصحابه للخروج إلى بدر قائلا لهم : " هذه عير قريش فيها أموالهم , لعل الله أن ينفلكموها " فأسرع بعض أصحابه بالخروج , وتخلف عنه آخرون , ظانين أنه لن يكون قتال , وأن الأمر لا يتعدى أخذ القافلة , ولو علموا أن سيكون قتال ما تخلفوا عنه . ومع أن المسلمين من المهاجرين أخرجوا من ديارهم في مكة , وضاعت أموالهم , وأنهم أصحاب حق مغتصب بأيدي قريش , وأن الاستيلاء على أموال القافلة يعد تعويضا لهم عن بعض ما فقدوه إلا أن هدف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كان أبعد من ذلك وأكبر , وهو توجيه ضربة اقتصادية موجعة لقريش , تدفعهم إلى مراجعة أنفسهم , وتضع حدا لعنادهم وغرورهم , لعلهم يفيئون إلى الرشد والحكمة , ويستجيبون لنداء العقل والمصلحة , ويعقدوا الهدنة التي يريدها المسلمون ؛ حتى يصبحوا آمنين على أنفسهم ودينهم . ومما يؤكد رغبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقن الدماء وكراهيته للحرب , وبخاصة مع قومه, الذين يرجو لهم الهداية إلى الدين الحق أنه عندما اصطفت قريش لقتاله يوم بدر , وقبل أن يشتعل لهيب المعركة أرسل صلى الله عليه وسلم إليهم عمر بن الخطاب , وعرض عليهم تجنب الحرب , وقال لهم : ارجعوا , فلأن يلي هذا الأمر ( الحرب ) مني غيركم أحب إلي من أن تلوه مني , وأن أليه من غيركم أحب إلي من أن أليه منكم" .. وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا القول أن يحرك في قلوبهم رابطة الدم والقربة والنسب , ويثنيهم عن موقف الغضب والعداء له ولأصحابه , وكاد ذلك أن يحدث , فقد مال إلى هذا القول بعض العقلاء , ومنهم حكيم بن حزام , حيث قال :" قد عرض عليكم نصفا ( إنصافا ) فاقبلوه , والله لا تنصرون عليه بعدما عرض من النصف , فأبى أبو جهل , وحرض من معه على القتال , وقال :" والله لا نرجع بعدما أمكننا الله منهم ... ولا يعترض لعيرنا بعد هذا أبدا " فوقع ما وقع . | |
|