واهتم المعظم كذلك بقواعد اللغة العربية ، فحفظ كتاب المفصل للزمخشري ؛ وكان يشجع على الحفظ والدراسة بما يقدمه من مكافآت مالية ، فمن ذلك قوله : "من حفظ الجامع الكبير للكرماني أعطيته مائة دينار ، ومن حفظ الإفصاح لأبي علي في النحو أعطيته مائتين ، فحفظهما جماعة ووفى لهم (21).
وعندما كتب سبط ابن الجوزي ترجمة المعظم عيسى في حوادث سنة 624 قال : "وفي هذه السنة ظهرت وفاة المعظم عيسى الملك الفقيه النحوي اللغوي ... " إلخ.
ولأمراء الأيوبيين نشاط آخر في ميدان المعرفة ذلكم هو التأليف والتصنيف ، فقد كتب المعظم عيسى كتابا في الفقه الحنفي ، كما نظم مجموعة قيمة من الأشعار جمعها في ديوان خاص ، وألف الناصر داود كتابه "الفوائد الحلبية في الفرائد الناصرية"، وخصص فيه فصلاً تحدث فيه عن أصل الأسرة الأيوبية ، وينقسم هذا الكتاب قسمين : أولهما يشمل الرسائل والمكاتبات التي وجهها الناصر داود إلى بعض الشخصيات الرسمية وغيرها ، وثانيهما يحتوي على الأشعار التي أنشأها مؤلفة في عشرة أبواب (22). وكتب المنصور محمد صاحب حماة كتابا عن تاريخ حماة والشخصيات التي زارتها أو استقرت فيها ، ويقع هذا الكتاب في جزأين ، وقد سماه صاحبه : "المضمار في التواريخ" (23).
وهكذا نجد أمراء الأيوبيين يسهمون في حركة الإحياء العلمي بطريق مباشرة بالتأليف والدراسة إلى جانب ما ذكرناه من قبل من مظاهر اهتمامهم بهذه النهضة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
(1) كانت إمارة الموصل وما تبعها خاضعة لسيف الدين غازي بن زنكي ولكن سياسته العامة ، وسياسة من جاء بعده ، كانت متفقة عام الاتفاق مع سياسة نور الدين ومتعاونة معها.
(2) قام ابن جبير برحلات ثلاث من الأندلس إلى المشرق : الأولى سنة 578 ، وهي التي كتب بعدها ، (الرحلة) والثانية بين سنتي 585 ، 587 وفي الثالثة استقر بالإسكندرية حيث توفي سنة 614 هـ.
(3) يقول ابن جبير في (الرحلة) : (وبالجامع المكرم) (يعني بدمشق) مدة زوايا يتخذها الطلبة للنسخ والدرس والانفراد عن ازدحام الناس) (الرحلة : 266) ويقول : (ودهليز الباب الشمالي فيه زوايا على مصاطب هي محاضر لمعلمي الصبيان) (الرحلة : 271). ويقول : (وفيه حلقات لتدريس الطلبة ، وللمدرسين فيها إجراء واسع) (الرحلة : 273).
(4) يقول المقريزي : (لم تكن المداس معروفة زمن الصحابة ولا التابعين ، وإنما حدث عملها بعد الأربعمائة ، فأول من حفظ منه أنه بنى مدرسة أهل نيسابور ، فبنيت بها البيهقية) الخطط : 2 : 363.
(5) يقول المقريزي : (وأول مدارسة قرر بها للعلماء معالم هي النظامية ، وقد تم بناؤها سنة 459) الخطط : 2: 363.
(6) وبنيت أول مدرسة بحلب سنة 516هـ ، وعلى حائطها تاريخ سنة 517 وتمسى بالزجاجية ، بناها بدر الدولة أبو الربيع سليمان بن عبد الجبار صاحب حلب عندئذ ، ولما أراد بناءها لم يمكنه أهلها أول الأمر لأن الغالب عليهم حينئذ كان التشيع . انظر الدر المنتخب لابن الشحنة.
(7) يقول ابن جبير : (وعند فراغ المجتمع السبعي من القراءة صباحا يستند كل إنسان منهم إلى سارية ويجلس أمامه صبي يلقنه القرآن ، وللصبيان على قراءتهم جراية معلومة ، وأهل القدرة من الآباء ينزهون أبناءهم عن أخذها) ويقول (وتعليم القرآن للصبيان تلقين ويعلمون الخط في الأشعار ونحوها) الرحلة : 273.
( وفيات الأعيان : 1 : 434 – 435. (9) يقول المقريزي : (لم يستنب عنه في أقاليم مصر إلا من كان شافعي المذهب ، فتظاهر الناس من حينئذ بمذهب الشافعي ومالك) الخطط : 2 : 343
(10) الخطط : 2 : 343
(11) مؤلف هذا الكتاب الشيخ ابن أبي اليعيش . انظر البستان الجامع لتواريخ الزمان في حوادث سنة 578هـ.
(12) النجوم الزاهرة : 6 : 211.
(13) الصفدي : الوافي بالوفيات.
(14) انظر : Laoust (H) : Essai sur les Doctrines Sociais et Politiqus de Taki – ad – din Ahmad b. Taimiya. Paris 1939
(15) الرحلة : 253.
(16) عيون الروضتين لأبي شامة ، مخطوط بالمتحف البريطاني.
(17) النجوم الزاهرة : 6: 288.
(18) النجوم الزاهرة : 6 : 227.
(19) نفس المصدر : 6 : 232.
(20) مختصر مرآة الزمان : 426 – 427.
(21) نفس المصدر.
(22) وهو مخطوط بالمتحف البريطاني برقم 3027 Brit. Mus. Or
(23) أبو شامة : المذيل على الروضتين : 124 ، سبط ابن الجوزي : مختصر المرآة 401 – 402 .
المصدر : المجلة التاريخية ، مجلد 7 ، سنة 1958م