أثر انهيار إمبراطورية شارلمان على الكنيسة:
كان انهيار الإمبراطورية الكارولنجية وسقوطها كارثة حقيقية على البابوات و الكنيسة الغربية ، نظراً للنتائج الخطيرة التي ترتبت على البابوية ومستقبلها الروحي و الاقتصادي و السياسي و أهمها:
1- لقد فقدت البابوية حلفائها التاريخيين الذين كانوا يدرؤون عنها الأخطار حيث تجددت غارات الفيكنغ و المجريين كما انتشر الرعب وسادة الفوضى و انعدم الأمن في الداخل .
2- لقد تعرضت البابوية إلى تسلط العلمانيين من ملوك وحكام و أمراء و إقطاعيين .
3- إن تسلط العلمانيين على الكنيسة وانهيار البابوية أدى إلى تفشي ثلاثة من الأمراض الخطيرة في الجهاز الكنسي وهي :
1ً – السيمونية :
هي عملية شراء مناصب الكنيسة وبيعها، ويعود أصل السيمونية للساحر اليهودي الذي حاول إغراء القديس بطرس بمبلغ من المال لقاء أن يبارك له أعماله،إلا أن القديس بطرس لم يقبل بذلك وقال له:" أنه هالك هو وماله" ولقد انتشرت السيمونية بشكل كبير بين رؤساء الأساقفة وبعض القساوسة و الشمامسة .
وكان لانتشار السيمونية نتائج نذكر منها :
1- فساد رجال الدين و انحطاط مستواهم الأخلاقي.
2- وصول عدد كبير من غير الصالحين للمناصب الدينية .
3- ضعف الكنيسة وتشويه سمعتها .
4- انتشار الابتزاز المادي للجمهور المسيحي بشكل لا أخلاقي .
2ً- زواج رجال الدين :
كانت الكنيسة تحرم زواج ورجال الدين للأسباب التالية :
1- حتى يتفرغوا للشؤون الدينية و الروحية دون الاهتمام بالأمور الدنيوية .
2- حتى لا تنتقل المناصب الدينية إلى أبناء رجال الدين وتصبح ورائية .
3- حتى لا تتحول الأوقاف و الممتلكات الكنيسية إلى ممتلكات وراثية بين أبناء رجال الدين .
ولكن على الرغم من كل ذلك فإن انهيار إمبراطورية " شارلمان" وتسلط العلمانيين و انتشار السيمونية أدت إلى التخلي عن مبدأ العزوبية منذ أواخر القرن التاسع الميلادي ، حيث أقبل على الزواج عدة من رجال الدين وأهملوا واجباتهم الكنيسية ، وأخذوا يصرفون الممتلكات الكنيسية في أعمال لا أخلاقية .
3ً- التقليد العلماني :
هو أن يقوم الحكام العلمانيون من ملوك وأمراء إقطاعيين بتعيين رجال الدين وتقليدهم مهام مناصبهم الدينية ، حيث أنه نتيجة ضعف السلطة المركزية وانحلال الإمبراطورية عمل الإقطاعيون على تعيين رجال الدين في مناصبهم و تقليدهم مهام مناصبهم الدينية .
وكان للتقليد العلماني بالنسبة للكنيسة الغربية نتائج نذكر منها :
1- تجاهل حقوق البابا الذي يمثل أعلى سلطة روحية في العالم الغربي .
2- جعل كبار رجال الدين تابعين للحكام العلمانيين و أداة طيعة في أيديهم .
3- أصبحت الوظائف الدينية بمثابة إقطاعات يمنحها الحكام العلمانيون لرجال الدين .
4- تفكك الكنيسة وتحول الأساقفة إلى أتباع للملك أو الإمبراطور .
5- تدخل الملوك و الأمراء في تعيين البابوات .
- حركة الإصلاح الكلوني :
قام بهذه الحركة بعض البابوات و الأساقفة الذين وخذهم ضميرهم لهذه الحالة التي انتشر بموجبها الانحلال و الانهيار الذي آلت إليه المؤسسات الكنيسية ورجال الدين في غرب أوربة .
- الإصلاح في الأديرة :
ظهرت الحركة الإصلاحية في حوض الراين الأعلى حيث أسس " وليام التقي" دوق " اكيتانيا" ديراًُ جديداً في " كلوني"( سنة 915 م ) وقد عمد زعماء الحركة إلى :
1- الفصل بين السلطتين الكنيسية و الدولة _ يعني الفصل بين السلطتين الدينية و الدنيوية - .
2- إصلاح الحياة الديرية .
3- إصلاح الكنيسة إصلاحاً شاملاً .
- الإصلاح في الكنيسة :
كانت الأديرة عبارة عن معاهد دينية تخرج منها عدد كبير من المصلحين الذين عملوا على إصلاح الكنيسة و إبعادها عن التدهور و الانحلال ، فقد عمد المصلحين إلى :
وضع نظام ثابت ودائم لعملية انتخاب البابا من قبل مجلس الكرادلة ، حيث أنه بعد وفاة البابا "يجتمع الكرادلة و ينتخبون خليفة له ، وإذا تعرض هؤلاء الكرادلة لأي ضغط خارجي فإن انتخاب يعتبر باطلاً.
وقد تعاطف ملك ألمانية " هنري الثالث" بعمق مع المبادئ الإصلاحية ومد يد العون و المساعدة للإصلاح الكلوني في أديرة ألمانية .