اين قلبى

أين قلبي ... ؟

"أسعد الله صباحكم"
" أهلاً ابنتي .. أجلسي سأسكب لكِ الشاي حالاً"
جلست ذكرى ببرود تام تحاول أن تبتسم للسيدة الجديدة فقالت أم نضال
" هذه العاملة الجديدة .. ستساعدني في العمل "
التفتت ذكرى وهي تقول " أهلاً وسهلاً أم ..؟"
"أهلاً بكِ .. أنا أم عماد "
" أهلا بكِ خالة"
شرّحت البيض المسلوق وفتحت العلبة ولسان حالها يقول
" تعودي .. تودعي بالأمس القريب أم فلان وترحبين اليوم بأم فلان"
أمسكت بكوب الشاي وهي تستمع لحديث أم نضال وأم عماد تحاول أن تدفئ مشاعرها بسخونة الشاي لكن هل سينفع؟!!
"خالة .. قلتِ إنكِ مهجرة من بغداد؟
"نعم يا ابنتي .. رحّلوني من بيتي إلى هنا غصبا ولا حول لي ولا قوة ولولا عوز الحال ما اشتغلت كعاملة نظافة لكن هذا حال الدنيا والحمد لله"
نظرت إليها ذكرى تحاول التمعن بملامحها .. يبدو أنها طويلة إلا أن الهموم قد أحنت ظهرها وكسرت نفسها حتى خطت على وجهها تجاعيد القهر
" خالة وهل لديكِ أولاد؟ بنات؟"
" لي بنت واحدة زوّجتها لأبن أختي الأرملة فقد توفي زوجها في حرب بوش وبيتهم قريب مني "
فترددت ذكرى في السؤال نظراً لكثرة المفخخات والقتل لكنها قالت وهي تكمل فطورها بكل شهية
" وزوجكِ" وفي نفسها تقول "وعماد؟"
"تزوج عليّ وتركني"هنا قالت أم نضال
" هذا هو الرجل.. بعد العِشرة يتزوج من أخرى متحججاً بأي سبب"قاطعتها ذكرى قائلة " لِمَ تزوج عليكِ خالة؟"
"يريد الولد " وجدت ذكرى نفسها وهي تقول " اها"
وكأنها تهرب من فكرة الحزن على هذه السيدة غائرة العينين دامعة القلب ، تخلصت من ذنب عدم مبادلتها الحزن بفكرة إن الزوج حقه الزواج من أخرى طلباً للولد .
سكتت أم عماد قليلاً تحاول مدارات دموعها وبلغ غصتها ثم أكملت
" أنا ولدتُ ولدين وبنتين .."
تعرف ذكرى أن ملامح وجهها الآن يكسوها البرود وكأنها بلا مشاعر ، تسمع وترى دموع سيدة ربما بعمر جدتها ولا تتأثر
" ولداي كانا بعمر تسع وعشر سنوات وفي أيام حرب إيران أصيب أحدهما بالحصبة الألمانية وركضتُ به هنا وهناك ولم ينفع شيء حتى فقدته بين ليلة وضحاها ولحقه الآخر بعد سنة بنفس الحصبة"
رشفت من كوب الشاي وقالت " وابنتكِ الثانية؟"
"هذه فقدتها في حرب بوش .. سقطت فوقها الغرفة بأكملها "
" آه "
حاولت أن تنطق بكلمة تواسي بها أم عماد فلم تستطع . وقفت أم نضال فجأة والتفت إلى الجانب الآخر كأنها ترتب المكان لكنها عادت فجلست وهي تمسح دموعها تكاد لا ترى أمامها
"خالة .. ما بكِ؟"
"ما عدت اعرف كيف أواسيكِ يا أم عماد فحالي من حالكِ ... قد استشهد زوجي في حرب إيران وعدت لأهلي لا أجد مكاناً لي بينهم فأخواتي وأخي كل له حياته حتى استشهد أخي وربيت ابنته وصاروا ينادوني أم نضال على اسمها وبعد أن زوجتها نسيتني وما عادت تسأل عني ثم ترملت أختي فربيت بناتها الثلاث وزوجت اثنتين وبقيت الثالثة تسكن عندي وأمهم تربي بقية أولادها .. واليوم أعيل ابنة أختي التي اعتقل زوجها من قبل الأمريكان وأطفالها وابنة أختي التي لم تتزوج بعد ولا املك بيت ومعظم مرتبي أسد به إيجار البيت ... كيف أواسيكِ وأنا لا أعرف كيف أواسي نفسي".
وضعت ذكرى كوبها على الطاولة ونهضت وهي تقول:-
"الحمد لله شبعت .. اسمحا لي سأعود لعملي"
"لم تفطري جيداً ... لابد أن حديثنا أحزنك وسد شهيتك"
ابتسمت وقالت " لا أبداً"وقالت لنفسها
" سد شهيتي وأنا أكلت بشهية المنتصر الذي تغمره السعادة!!"خرجت ووجهها مشرق بضحكة ربما تحاول أن تغطي بها غصة تكاد تختنق بها لم تكن الغصة حزناً لحال أم عماد ولا لحال أم نضال .. بل حزناً على نفسها ، ألم تكن تؤاسي الجميع ودموعها تنهمر لأقل حدث ولسماع أية قصة حزينة ؟ ألم يؤثر بها صوت أم عماد المنكسر ودموع أم نضال المنهمرة وكلتاهما كبيرتان في العمر قد رسم الزمن على وجهيهما ألف خط وخط لتجاعيد الحزن والقهر .. ألم تتأثر بأم عماد حين قالت
"لا اعرف كيف اقضي يومي ومع كل دقيقة اسرح فيها بأفكاري أجد أني أفكر بولديّ .. كانا آيتين من الجمال لو تجولت في كل أنحاء العراق ما وجدت بجمالهما "
كل هذا ولم تتأثر!! ترى ما الذي حدث لمشاعرها ؟ هل كثرة الأحزان والموت وتوديع كل من تحب يوماً بعد آخر قسّاها بهذا الشكل جلست في غرفة المكتب وهي تسند رأسها على الكرسي وتغمض عينيها وهمست بكل حسرة
"أين قلبي"

قصة حزينة

شكر لكى شوشو على مجهودك الرائع

نورتى التوبيك

ملكة الاحزان

شكرا شوشو للقصه

تقبلى مرورى

ميرسى محمود نورت التوبيك

عندك حق مشكور

» تعودت يا قلبى
» حياة قلبى
» سيدة قلبى
» قلبى مع الله
» حروف حفرتها فى قلبى