حوار مع زبال

حوار مع زبال
هناك مهن عديدة لا نعرف عنها الكثير ...
ولكن بالدخول في تفاصيلها تسمع وتري وتتعلم الكثير ....
ما استوقفني هذا الأسبوع هي
مهنة الزبال ....
وهي وإن كانت مهنة شريفة ...
ولها دور هام وحيوي في موضوع النظافة لو تم ترشيدها وإدخالها في منظومة أعمال النظافة...
إلا إن نظرة المجتمع لها ...نظرة غير منصفة ...
فيمكن أن تنظر لرجل يلبس أغلي الثياب ويركب أفخم السيارات ويعتلي أعلي المناصب...
نظرة إجلال وتقدير ... هو لا يستحقها ... فمأكله ومشربه وملبسه ...
من دم هذا الشعب المعدم المبتلي بالفاسدين والحيتان بجميع أنواعها أزرق وأبيض ...
وحتي حيتان كروهات ...!!!
في حين ينظر المجتمع لزبال ...
يموت تعباً كل يوما وكداً في سبيل الحصول على اللقمة الحلال ...
نظره سلبية ... لأنه يرفض المكسب السريع الحرام ....
والله يا سادة بعد ما قمت بهذا الحوار مع زبال حقيقي ....
أيقنت أنه لو كان هناك إنصاف لأعطينا كل زبال ...
وعامل مجاري ...
وماسح أحذية وعامل نظافة ....
التقدير والإجلال الذي يستحقه ...

نعود للحوار الرائع مع الزبال ....
إقتربت منه وهو يقوم بالتنقيب في صناديق القمامة .... وبدأ هذا الحوار :
- ممكن أتعرف عليك .....
- إتفضل يا باشا .....
- لا أنا عايز أعمل حوار معاك .... وأتكلم معاك شويه .... وأصورك كام صوره .....
- ماشي الكلام ... بس بلاش تطلعني في التليفزيون ...!!!
- يا عم إنت شايف إيه في إيدي كاميرة تليفزيون ....!!!
- إسمك إيه ....
- كرم ....
- سنك كام يا كرم .....
- أنا عندي 25 سنة ...
- معاك أي مؤهلات ....
- خالص .. ولا بأعرف أقرأ ولا أكتب ....
- مهنتك إيه .....
-زي ما إنت شايف بلم زبالة ......
- إشتغلت الشغلانه دي إزاي .... ؟؟؟
- خرجت من الجيش ... ما فيش شغل ...
أبويا مريض بالسكر وعندي ست إخوات أنا أكبرهم ...
أعمل إيه لازم أشتغل علشان ياكلوا ....
- إيه رأيك في شركات النظافة الأجنبية التي إنتشرت خلال السنوات الأخيرة ....
- بصراحة ... فتحت بيوت ناس كثيرة ...
- مش فاهم ....!!!
- فيه ناس كثيرة ... إشتغلت ....
غير كده ... كان زمان الزبالة مش متوفرة كده بخيرها ....
كان الزبالين يطلعوا ياخدوها ويفرزوها ....
وما تلاقيش وراهم حاجة ....
الشركات لما جت ... بقت الزبالة شاملة كل حاجة في الشارع ...
وإحنا نأخد منها وهما يشيلوها ... !!
- طيب يا عم كرم .... أنا مستغرب الصناديق البلاستيك التي وضعتها الشركات في الشوارع ...
إختفت ... راحت فين .... ؟؟؟
- بص يا باشا ..... الناس بتأخذها ... ويعملوها (توايل ) للبهايم .... يحطوا فيها العلف والأكل ....
يصب في القعر نص شيكارة أسمنت علشان الصندوق يكون ثابت ... وبعدين يحط العلف ... !!
أو فيه ناس بيقطعوه ويبيعوه خرده بلاستيك .... وفيه ناس بيعملوه خزان ميه فوق بيوتهم ... !!
- إيه المشاكل التي تواجهها في عملك .... ؟؟؟
- مطاردة البوليس لنا ....
متخيلين إننا حرامية ... وإننا بنسرق ( بلاليع ) الشارع ...
يا باشا ... بتوع الخردة إللي بيسرقوها ... مش إحنا ...
وأي مصيبة تحصل في أي شارع ... أول ناس نتمسك إحنا ....
- طيب ممكن تشرح لي إنت بتتعامل مع الزبالة إزاي ... ؟؟؟
- بص يا باشا ... أنا بفتح كيس الزبالة ... أبص فيه ...
أفرزه ... (( الباغة)) ... يعني البلاستيك الشفاف والأكياس لوحدها ...
(( المعدن )) ألومنيوم ... علب كانز ... لوحده ...
(( العادم )) يعني الورق الفضي ... لوحده ...
وكل حاجة لوحدها ....
ورق عادي ... ورق بسكويت ... كرتون ... جرنال .... عيش .... نحاس .... زجاج
كل حاجة لوحدها ...
- إنت بتحط الحاجات دي في إيه ....
- بص ... فيه حاجه إسمها (( الجونية )) دي عبارة عن شيكارة أو شوال
إحنا بنعمله نحط فيه الكرتون والورق ...
وفيه (( الزكيبة )) بنحط فيها بقية الأصناف ...
- ممكن تقول لي إنت بتبيع الحاجات دي بكام ...
- أقولك ...
- ما تخافش مني ... أنا ولا ضرايب ولا حكومة ...
- عارف يا أستاذ شكلك مش باين عليك إنك منهم .... !!!
- أنا ببيع البلاستيك الخردة ب 175 قرش للكيلو ...
والكانز .... ب 40 قرش للكيلو ....
والكرتون ... النظيف ب 35 الكيلو ..
والكرتون الوسخ ب 20 قرش للكيلو ...
ورق الجرايد ب 55 قرش للكيلو ...
العيش ب 50 قرش للكيلو ...
ورق الفويل ب 1.5 - 2 جنيه للكيلو
والنحاس الأحمر ب 35 - 40 جنيه للكيلو ....
والنحاس الأصفر ب 25 - 30 جنيه ....
والألومنيوم الطري ب 18 جنيه ... والناشف ب 10 جنيه ...
- إنت بتبيع لمين الحاجات دي ....
- فيه تجار ... لكل صنف ... والأيام دي كتير جداً ... !!
- طيب ممكن تقول لي العيش الموجود في الزبالة ... بتعملوا به إيه ... ؟؟؟
وهل صحيح بتبعوه لبتوع الفلافل علشان يضعوه في العجينة ...!!!
- لا ... حرام ... : ده حرام .... لا ما بيحصلش ....
بتوع الزرايب بيأخذوه للمواشي ....
- مبسوط ... يا كرم في شغلتك دي .... ؟؟
- لا ... ده أنا طالع من هدومي ...
- متزوج ...
- لا ...
- مش خايف تروح تتقدم لواحدة ....
معلش يا كرم ... أنا آسف ... يقولوا زبال ... ويرفضوك ...
- أنا خاطب بنت خالتي في الصعيد ...
- هل أهلها في نفس الكار ...
- لا ... بس عايز أقولك حاجة ...
أنا بشتغل شغلة شريفة ... ومش حرامي أو بسرق ... يرفضوني ليه ...
- طيب يا كرم ... إنت ... سامحني ... في أسئلتي ... ما بتقرفش من الزبالة ...
- أنا مش قلتلك أنا طالع من هدومي ...
وبعدين أكل عيشي وما عنديش غيرها ... أعمل إيه ... ؟؟؟
- طيب إنت مش خايف من الأمراض والميكروبات ....
-أنا سايبها علي الله ...
وبص شوف إيدي ... متقطعة من الإزاز والصفيح إللي في الزبالة حنعمل إيه ... ؟؟؟
- طيب إيه أغلي أمنية في حياتك ..... ؟؟؟
- أكون نفسي ...
وأشتغل في شركة شغلانة ثابتة بمرتب ...
- بس دي يا كرم مرتبها حيكون ... ضعيف ...
- مش مشكلة ...
- ممكن أعرف الزبال بيحصّل في اليوم كام جنيه ...
35 ... قول 40 ... بس مش كل يوم ... ممكن يوم يرجع فاضي ...
- لولقيت طاقية الإخفاء في الزبالة تعمل بيها إيه ....
إنت شفت الفيلم ده ... عارف طاقية الإخفاء ...
- أيوه عارفها ... حأولع فيها دي كلها شر ...
- طيب بلاش طاقية الإخفاء
لو لقيت مصباح علاء الدين في الزبالة
وحكيته وطلع لك المارد يقولك شبيك لبيك ..تطلب إيه ...؟؟
- حأطلب الستر ...
- إنت حيرتني معاك ... طيب لو بقيت رئيس جمهورية ...
- أنا ما أعرفش أقرأ وأكتب ... إزاي حأكون رئيس للبلد ...
- يا عم إفرض ... إفرض ...
- لو رئيس جمهورية .... أحكم بالعدل ....
- طيب أخر سؤال ... لو قالوا لك تختار جنسية غير مصر تختار إيه ...؟؟
- في حد يستغني عن بلده .... وعن خيرها إللي في زبالتها ...
- ضحكت من آخر جملة ... حتي إرتفع صوتي جداً ....
وقلت له ... والله يا كرم إنت عسل .....
وربنا يحقق لك كل ما تتمني ... وإنتهي الحوار ....

ويبقي السؤال .....
ألا يستحق أصحاب هذه المهن القاسية ...
إحترامنا وتقديرنا ... بل وإمتناننا لهم ...
_سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ...
إنحني ليد كلت وتعبت من العمل وقبلها وقال صلي الله عليه وسلم : هذه يد يحبها الله .
ألا تستحق يد كرم ... ومن علي شاكلته أن نقبلها فهي أشرف ...
من يد من سرقنا ونهبنا ومن سرطننا ومن فيرسنا ومن غرقنا ومن عذبنا ويعذبنا ...
هي يد ... إختارت الطريق الصعب ... طريق الحلال في بلادنا ...

تحيه لكل كرم في بلادنا وباقة ورد وإحترام له ولأمثاله ...

باقة ورد أهديها لكل من بحث عن الجديد ليكون سعيدا بما يقدمه
ليسعد به الآخرين

موضوع حلو يا سمر مع تمنياتى بالمزيد