الآثار الدينية فى العمارة الاسلامية
البحث من اعداد وكاتبه / zezooo
مقدمة
إن الحضارة الإسلامية بمثابة تاج الحضارات حيث أنها إستفادت من الحضارات التى سبقتها ومزجت تلك الحضارات بعد أن أخذت منها مايتوافق مع الشريعة الإسلامية وأخذت ابتكارات جديدة جعلتها من أعظم الحضارات إن لم يكن أعضمها على الإطلاق ، وقد جاءت الدعوة القرآنية تدعو الى أن تنبثق حركة التاريخ البشرى عن الحق وتحتم نشوء حضارة مبعثه تربط الآجيال بالآجيال والماضى بالحاضر والمستقبل .
وتحتل الآثار الإسلامية مكانه فريدة بين الآثار الأخرى سواء الثابتة أم اللاحقة عليها ولقد لفت القرآن الكريم الأنظار لأخذ العبرة والعظه فى النظر الى آثار السابقين وكيف كانت عاقبتهم لما أصرفوا وأساءوا استعمال ما خولهم الله من نعمه وأشركوا له فى آيات كثيرة مثل قوله تعالى (( أولم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثار فى الأرض فأخذهم الله بذنبهم وماكان لهم من الله من واق )) .
نشأت العمارة الإسلامية كحرفة بسيطة في البناء في أبسط أشكاله، ثم تطورت حتى كوَّنت مجموعة الفنون المعمارية المختلفة. وفن العمارة من أهم مظاهر الحضارة، لأنها مرآة تعكس آمال الشعوب وأمانيها، وقدراتها العلمية وذوقها وفلسفتها، ومن الحقائق الثابتة أن العمارة كانت دائمًا الصورة الصادقة لحضارة الإنسان وتطورها وانعكاسًا لمبادئه الروحية على حياته المادية، بما يكتب عليها -أي على العمارة- من كتابات وما ينقش عليها من نقوش.
وقد اشتمل الفن المعماري الإسلامي على عدة أنواعٍ منها: فن عمارة المساجد، وهو أرقى فن معماري عند المسلمين، وفن عمارة القصور، وفن عمارة البيوت، وفن عمارة المدارس، وقد برع المسلمون في فنون العمارة بكل أشكالها؛ لأنهم فهموا نماذج العمارة في الحضارات السابقة ثم طوروها بما يتناسب مع عقيدتهم ودينهم، ثم أبدعوا بعد ذلك نموذجًا إسلاميًّا خاصًّا بهم.
ومن المعروف أن العبرة الكاملة والفائدة من السير فى الأرض إنما تكون بعد مشاهدة رؤية جميع ماترك الأولون من آثار ومن هنا وضحت عناية المسلمين بالآثار والكتابة عليها .
· بعض النماذج للآثار الإسلامية
تمهيد
كانت العمارة الإسلامية ولاتزال تحتل مكانة مرموقة بين طرز العمارة التى عرفها الحضارة الأنسانية عامة ، فقد أستطاعت العمارة الإسلامية التى أنتشرت فى أقطار عديدة من أقصى المشرق الى أقصى المغرب ان تحقق لنفسها طرازا" فريدا" بين تلك الطرز ، فمن جهة أضافت العمارة الإسلامية الى التراث المعمارى العالمى نظما" تحطيطية لم تكن معروفة من قبل كالمساجد والمدارس والخنقاوات والزوايا وغيرذلك .ومن جهة ثانية أدخلت على نظم العمارة الجنائزية والمدنية والحربية أنظمة جديدة جعلت لها طابعا" فريدا" مميزا" ،
وما تاج محل فى أجر بالهند وطوبقابلا يراي بأستانبول ((تركيا)) وقصر الحمراء بغرناطة ((أسبانيا)) إلا خير شواهد مادية حيهباقية تكفى للتدليل على ذلك .
وتعد المنشأت الدينية هى أكثر العمائر القائمة وتشمل على المساجد والمدارس والأربطه والزوايا والأضرحه ، وتعتبر أهم أنواع الآثار المعمارية ، لما تتضمنه من طرز فنية وأساليب معمارية ، ونقوش زخرفية وكتابية تعكس روح العصر الذى أقيمت فيه، وتعبر عن طبيعة
الحياة السياسية والإجتماعية فى هذا العصر .
ومن ثمة مظاهر العمارة الاسلامية مظهر الابيتكار ، نجده فى الأقتباس وإن كان الأقتباس قد بدا للبعض أنه مجرد تقليد لأخر لايجوز أن تعتبر فى هذا المجال وكأنه يقلد فعل الإبهار فى العمارة والفنون الاسلامية ويجب الأيبحس قدرها أو يحدد من قيمته ، لأن قيمة هذه العمارة والفنون فى ذاتها وليس فى منبتها ، إن ظاهرة الأقتباس ظاهرة عالمية فما من فن إلا واقتبس آثار الفنون السابقه عليه .
فمن مظاهر الأبهار فى الفنون والعمارة الاسلامية كثرة عناصرها وتعدد أشكالها فى الأبنية المختلفة الى حد يصعب معه الاهتداء فيها على عناصر تتماثل مع بعضها البعض تماثلا" كاملا" ، ولعل العمارة الإسلامية هى أصدق مثل على قدرة الفنان المسلم على إبهار المشاهد من خلال فنه ، فالمسجد وهو أول ما قام العرب المسلمون بتصميمةة وتنفيذه ويظهر ان فن العمارة جاء قريبا" غير مسبوق وهذا عكس مايدعيه مؤرخوالفنون والعمارة المستشرقين ، فقد إتبع المسلمون أساليب بسيطه بعضها يرجع الى البيئة العربية والبعض الأخر لعوامل دينية ، إن البيئة العربية الحارة قد دفعت بالمعمار الى تغطية بناءه بسقف يستظل به الناس من حرارة الصيف والعامل الدينى يتمثل بتحديده اتجاه القبله كى تتم الصلاة فى الأتجاه الصحيح وتلاتب على تغير القبله وجود ظلتين متقابلتين وصل بينهما فصار البناء عباره عن صحن مفتوح محاط بأروقه أربع حول الصن
لذا كان بناء المسجد النبوى بسيط فى مرحلته الأولى ، إلا انه يعكس من ناحية أخرى شكلا" إبداعيا" غير مسبوق استوحى فيه المعمار بيئته وتأثره ببساطة العقيدة وبالتالى لامجال للمقارنه بين عمارة المسجد وعمارة الكنيسة المسيحية ولا القصور الفارسية أو الهياكل اليهودية ، ولم يكن ينقص العرب إرهاف الحس ونضوج العقل وإتساع الخيال لتذوق الجمال ، فقد ورد فى القرآن الكريم فى قوله تعالى : (( يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا وإشربوا ولاتسرفوا إنه لايحب المسرفين ((31)) قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الأيات لقوم يعلمون ((32)) قل إنما حرم ربى الفواحش ماظهر منه وما بطن والإثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا" وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون )) .
وفى سياق تأثر فن العمارة والزخرفه الإسلامية بالعامل الدينى لابد من الإشارة الى أن الحكام المسلمين كانوا على وعي بأن إنتصارتهم فى الفتوحات جاءت أيضا" بفعل العقيدة الجديدة التى حملوها الى الأمصار المختلفة ، وهم هنا قد واجهوا موقفا" مشيرا" ، أنهم استولوا على القصور والمدن البيزنطية فى الشام ومصر ، والساسنية فى فارس وأقاموا فيها وشعروا بجمال القصور التى أقاموا فيها بتحفها وروائعها ، كما أنهم وجدوا فيها سبل التمتع بالحياه وأثروا إثراءا" عظيما" ، عندئذ اتضح لهم الفارق الكبير بين القصور التى يعشون فيها وعمارة المساجد البسيطة ، وكأن عز عليهم ان تبقى المساجد على بساطتها الأولى ، فاتجهت عنايتهم إليها وبدأت مرحله جديدة فى تاريخ العمارة الأسلامية ، كان للأبهار فيها الدور الأكبر فى شكل العمارة ،وهنا كان خلفاء بنى أميه قادة لهذا التطوير فهاهم يعيدون بناء جميع المساجد التى شيدوها فى ديار الأسلام بدء بمسجد الرسول ((ص)) فقد أمر الوليد بن عبدالملك بإعادة بناء مسجد الرسول ((ص)) مستعينا" بكل الخبرات المتاحه له فى كل أمصار الدولة الإسلامية ، ولأول مرة تدخل الى مسجد الرسول عناصر جديدة فى العمارة العربية الإسلامية منها المحراب والمآذن الأربعة ....إلخ .
ومن هنا بدأت عمارة المسجد تأخذ شكلا" يعكس الكثير من الإبهار وهذا فيما يبدوا ما سعى اليه حكام بنى اميه على وجه التحديد
أنهم وجدوا أنفسهم فى مواجهة التراث الكلاسيكى حضاريا" إن بلاد الشام مقر حكمهم فى الأصل مستعمرات بيزنطية وبالتالى كانت معرضا" مفتوحا" لإنجازات العمارة والفنون الكلاسيكية ، وقد عبر الوليد بن عبدالملك عن ذلك بقوله حين أراد بناء مسجد : إنني أريد أن أبنى مسجدا" لم يبنية من مضى من قبل ، ولن يبنى من يأتى بعدى مثل . مسجد الوليد فى دمشق مبهر للناظرين فى تصميمه المعمارى وفى عناصره الزحروفية حينما زاره الخليفة العباسى المأمون قال : إنما أعجبتنى فيه كوني بنى على غير مثال سابق . هذا البناء هو ثورة على التقشف والبساطة وإنطلاقة جديدة فى مضمار فنون العمارة والزخرفه ومثله أيضا" قبة الصخرة التى بناها عبد الملك بن مروان والى جانبه المسجد القصى كلها شكل من أشكال الأبنية التذكارية المبهرة فى مجملها وتفاصيلها ، حيث تعكس رؤية جديدة بل منطلق الأنتصار فى مقابل الحضارة والفن البيزنطى والساسانى .
وسوف نلقى الضوء على بعض نماذج من تلك الآثار التى خلده لنا من كان قبلنا فى حضارة عريقة ، وتلك النماذج هو مجرد غيض من فيض ذلك لأن هذا البحث لايتسع المجال فية لتغطية كافة جوانب الاثار الإسلامية ، وكل ما سوف أقوم به هو مجرد إلقاء الضوء على بعض النماذج للدلاله منها على عبقرية ومهارة الفنان والمهندس والمعماري المسلم الذى أدهش العالم فى شتى مناحي العلوم .