نعم يا سادة ويا سيدات.. جامعاتنا لم تعد صروحا للعلم ومنارات للثقافة والأدب بل باتت ساحات مفتوحة للبلطجة وملجأ لأصحاب السوابق تحت مسمى (حرس جامعي). ما حدث في قامعة (عين شمس) بالأمس لم يكن مفاجئا ولا هو بالحدث الفريد من نوعه، فأخبار الاعتداءات على طلبة الجامعات وترويعهم بالأسلحة البيضاء والهراوات والجنازير باتت عناوين عادية لا تثير انتباه أحد ولا تسترعي دهشتهم وسط عناوين أضخم تتحدث عن غلاء الأسعار وتفشي الفساد ونهب الأموال وازدياد الفقر وتضخم البطالة وغيرها من مآسي مصر.. وأي أهمية يمكن أن يشكل قمع تجمع طلابي في حين أن مصر كلها أصبحت مكبلة تحت مطارق القمع والديكتاتورية؟!! وكيف ينتصر لهؤلاء الشباب شعب مغلوب على أمره يرزح تحت أغلال مشاكله التي تزداد وتتضخم يوما بعد يوم؟!!.. أجزم أننا لا نبالغ إن وصفنا هذه الفترة السوداء بأحلك فترات مصر عبر تاريخها الحديث كله.
لعل من ثمرات حدث قامعة عين شمس بالأمس أن وضع الملح على الجرح النازف وفتح أعيننا على حقيقة حاولنا بكل جهدنا التغاضي عنه.. وهي حقيقة الواقع المرير للتعليم العالي في مصر، والذي لم يكتفي بفقد هيبته وريادته عبر السنين بل بات قاب قوسين أو أدنى من فقد تأثيره المحلي وسمعته إذا ما أصبحت مؤسساته التعليمية من جامعات ومعاهد ومدارس تحت رحمة البلطجية والأسلحة البيضاء..والى أن ينفذ قرار المحكمة الأخيرة بطرد الحرس الجامعي وبقوة القانون الشرعي فليس الطلبة في حل من مجابهتهم والتصدي لبلطجيتهم. ينبغي على شرفاء مصر ألا يكتفوا بالمطالبة بتنفيذ القرار فحسب بل بات لزاما وضرورة أن يطالبوا بغربلة التعليم العالي وإعادة تشكيله وتنظيمه ,بل وتنظيفه من الطلاب "البلطجيين" من شاكلة هؤلاء الذين اعتدوا على طلاب عين شمس بالأمس ليتلاءم ومكانة مصر الريادية في العالم العربي ويخرج من سبات طال بقاؤه فيه وتعود جامعاته كما كانت من صفوة الجامعات العربية.
لم أتمالك نفسي وأنا أتابع تقارير وتغطية الناشط محمود سامي ورفاقه عما حدث في (عين شمس) من مقاومة تساؤل ممض داهمني في غفلة ليثير تفكيري.. ترى هل خطر على بال أولئك الشباب من تنظيم (الضباط الأحرار) وهم يوزعون منشوراتهم ويخططون لثورتهم بخفاء وسرية.. هل خطر على بالهم ولو للحظة خاطفة أنه سيأتي يوم أسود يشقى فيه أحفادهم بديكتاتور يرث ثورتهم ويعيث في مصر فسادا؟!! هل فكروا يوما في أن الملكية الإقطاعية التي هدموها قد تنبعث مجددا وبشكل أسوأ من سابقه.. أجزم أن أحدهم لو قام اليوم من قبره وشهد ما حدث في قامعة عين شمس لمات كمدا على حلم الحرية والاستقلال والذي من أجله سفحوا من دمائهم ما سفحوا.. وصدق تشي جيفارا حين قال مقولته الخالدة: الثورات يصنعها الشرفاء ليرثها الأوغاد