سليمان عام 900 في مدينة طرابزون، ونشأ محباً للعلم والأدب والعلماء والأدباء والفقهاء ، واشتهر منذ شبابه بالجدية والوقار، وتولى الخلافة بعد وفاة أبيه عام 926 وعمره 26 عاماً ، وكان متأنياً في جميع أموره ولا يتعجل في الأعمال التي يريد تنفيذها بل كان يفكر بعمق ثم يقرر وإذا اتخذ قراراً لا يرجع عنه، وفي عهده بلغت الدولة أوج قوتها واتساعها.
الفتن الأربعة الأولى
ما أن شاع خبر وفاة الخليفة العثماني الأول حتى أعلن جانبرد الغزالي حاكم الشام تمرده ، واتصل بخير بك حاكم مصر ليكون نصيره فراوغه ووعده ، وفي الوقت نفسه اطلع الخليفة الجديد على مراسلاته له. وسار الغزالي ليأخذ حلب وألقى الحصار عليها ، وهو في حصاره لها وصلت إليه الجيوش العثمانية فترك الحصار ، وأسرع إلى دمشق ليتحصن بها ، فلحقته الجيوش وحاصرته فيها ، فخرج يريد القتال يوم 17 صفر 927 فانهزم جنده ، وفر هو متنكراً ، ولكن أخذه بعض أعوانه وسلمه إلى فرحات باشا قائد الجيوش العثمانية فقتله.
وحاول أحمد شاه الخائن في مصر التمرد وكان طامعاً في منصب الصدر الأعظم ولم يفلح في تحقيق هدفه وطلب من السلطان أن يعينه والياً على مصر فعينه ، وما إن وصل لمصر حتى حاول استمالة الناس وأعلن نفسه سلطاناً مستقلاً إلا أن أهل الشرع وجنود الانكشارية قاموا ضده وقتلوه.
والتمرد الثالث قام به بابا ذو النون في منطقة يوزغاد حيث جمع مابين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف ثائر وفرض الخراج على المنطقة وقويت حركته إلا أنه قتل وأرسل رأسه إلى استانبول.
وحاول الشيعة مرة ثانية في تمرد رابع ضد الخليفة بقيادة قلندر جلبي في منطقة قونية ومرعش وكان عدد أتباعه ثلاثون ألف شيعي قاموا بقتل المسلمين السنة في المنطقتين ، وجعل شعاره أن من قتل سنياً واعتدى على امرأة سنية يكون بهذا قد حاز أكبر الثواب. إلا أن بعض قواده انقلبوا عليه وقلت قواته وهزم وقتل.
وأرسل الخليفة رسولاً إلى ملك المجر يطالبه بدفع الجزية ، فقتل الملك الرسول ، وعندما وصل الخبر إلى الخليفة جمع جيشه ، وسار على رأسه لقتال المجر ، ودخل مدينة بلغراد بعد حصار قصير ، وغادرتها الجنود المجرية.
فتح جزيرة رودس وعاصمة الأفلاق والقرم
وكانت جزيرة رودس مشاكسة وحصناً حصيناً لفرسان القديس يوحنا الذين كانوا يقطعون طريق الحجاج الأتراك للحجاز ، وكانت تقوم بأعمال عدوانية موجهة لخطوط المواصلات البحرية العثمانية فاهتم السلطان بفتح الجزيرة في 2 صفر عام 929 مستغلاً انشغال أوربا بقضاياها الخاصة واختلافاتها فيما بينها كي لا تساعد رهبان هذه الجزيرة الذين يسيطرون عليها ، وقد انتقل هؤلاء الرهبان إلى جزيرة مالطة.
أصبحت شبه جزيرة القرم ولاية عثمانية ، وكانت من قبل ولاية يحكمها التتار من فرع القبيلة الذهبية ، ثم وقع الخلاف بين حكامها فتدخلت الدولة العثمانية في شؤونها ، ولكن بقيت الفوضى قائمة حتى ضمتها إليها عام 939.
وفي عام 931 أرسل جيشاً استولى على عاصمة الأفلاق ، وأخذ أميرها إلى استانبول ، وكانت من قبل تعترف بالسيادة العثمانية ، وتدفع الجزية. ولكن الأعيان ثاروا على ذلك بمساعدة أمير ترانسلفانيا وعينوا أميراً جديداً فوافق السلطان مقابل زيادة في الجزية.
قتال المجر وحصار فينا
وقد رغب ملك فرنسا في التحالف مع العثمانيين كي يحاربوا المجر التابعة لملك النمسا شارلكان الذي تحيط أملاكه بفرنسا من كل جهة إذ كانت تتبعه إسبانيا ، وهولندا ، وإمارتا جنوه وفلورنسا ، وصقلية ، وجزر البالئار ، وفي الوقت نفسه يعد إمبراطوراً لألمانيا ، لذا فقد أرسل ملك فرنسا سفيراً للخليفة العثماني في هذا الشأن ، ووعده الخليفة بذلك ، وفعلا فقد سار الخليفة عام 932 على رأس مائة ألف مقاتل إضافة إلى ثمانمائة سفينة انطلقت في نهر الدانوب ، وقد جعل قاعدته مدينة بلغراد. وأحرز الانتصار ، وقتل ملكهم لويس ، ودخل بعدها العاصمة (بودا) في 3 ذي الحجة عام 932 ، وعين أمير ترانسلفانيا (جان زابولي) ملكاً على المجر ، ورجع بعدها إلى استانبول .
غير أنه في العام التالي 933 ادعي الأمير فرديناند أخو ملك النمسا شارلكان أحقيته بملك المجر ، فسار إليه عام 935 ، وحاصر (بودا) ، وفر منها فرديناند متجهاً نحو (فيينا) ، وألقى الحصار على المدينة ، وأمر بالهجوم عليها في 20 صفر 937 بعد أن أحدث ثغرات في أسوارها ولكنه لم يقو على اقتحامها إذ نفدت ذخيرة المدفعية ، وداهمه فصل الشتاء البارد فقرر فك الحصار والعودة.
وفي العام التالي 938 أرسل ملك النمسا جيشاً لدخول (بودا) غير أنه عجز عن ذلك أمام مقاومة الحامية العثمانية. وعاد الخليفة نحو فيينا عام 939 إلا أنه رجع من الطريق لما علم من استعدادات شارلكان الدفاعية.
وجاءت سفن بحرية تابعة لشارلكان والبابا واحتلت بعض المواقع في شبه جزيرة الموره اليونانية والتابعة للدولة العثمانية. وبعد ذلك وقعت معاهدة بين النمسا والخليفة العثماني.
وفي عام 941 اتجه العثمانيون نحو تبريز فدخلوها ثانية ، وجاء إليها الخليفة إثر ذلك ، وسار منها نحو بغداد ففتحها في العام نفسه.
العمل العثماني في بلاد المغرب
كان البحار المشهور خير الدين وأخوه عروج نصرانيان من إحدى جزر بحر إيجه ، ويعملان في القرصنة البحرية ، ثم هداهما الله إلى الإسلام فأسلما ، ودخلا في خدمة السلطان محمد الحفصي في تونس ، وكانا يعترضان السفن النصرانية ، ويأخذان ما فيها ، ويبيعان ركابها وملاحيها رقيقاً ، وقد أرسلا للسلطان العثماني سليم إحدى السفن التي أسروها فقبلها منهما ، وأجزل لهما العطاء ، فقويت نفسيهما ، وعندما جاء السلطان سليم إلى مصر أرسلا له رسولاً يعلن له خضوعهما للدولة العثمانية.
واستطاع عروّج أن يستولي على مدينة الجزائر ، وأن ينتصر على جيوش شارلكان التي أرسلها لمحاربة عروّج ، كما استولى على مدينة تلمسان غير أنه قتل في إحدى حروبه مع الإسبان ، وأرسل خير الدين بعد ذلك رسولاً إلى الخليفة العثماني سليم الأول وكان لا يزال في مصر يعلمه أنه قد فتح مدينة الجزائر باسم الخليفة ، فأصدر الخليفة أمراً يقضي بتعيين خير الدين والياً على إقليم الجزائر ، وأعطاه رتبة (باشا) ، وبذا أصبحت الجزائر ولاية عثمانية.
وكان الإسبان قد أخذوا طرابلس الغرب من بني حفص عام 916 ، وبنزول الإسبان في طرابلس شعر السكان بالخطر الصليبي يتهددهم ، فأرسلوا إلى الخليفة العثماني سليمان الأول وفداً عام 926 يستغيثون به ، فأخذهم بقوة صغيرة بإمرة مراد آغا الذي نزل شرق طرابلس ، وسار لحصارها ، لكنه لم يتمكن من فتحها ، وجاءت قوة من جنوه ونابولي الإيطاليتين وغزت بعض سواحل بلاد المسلمين ، واحتلت بعضها ومنها جزيرة جربا التونسية. عندها أحس الخليفة العثماني بالخطر الصليبي هناك ، فأرسل الأسطول العثماني بقيادة طورغول الذي هاجم الإسبان في طرابلس ، وفتح المدينة ، وطرد النصارى الإسبان منها ، وتولى الإمارة فيها ، كما أخرج الإسبان من بنزرت ووهران ، وغزا ميورقة ، وكورسيكا.
واستمر خير الدين في عمله البحري فنزل على شواطئ ايطاليا، وفرنسا ، وإسبانيا ، وأخذ حصن (بينون) الذي أقامه الإسبان على جزيرة أمام مدينة الجزائر. غير أن السلطان سليمان قد طلب منه أن يكف عن مراكب فرنسا بعد المعاهدة التي عقدت بين فرنسا والعثمانيين ، فكف عن ذلك ، ولكن وجه اهتمامه ضد الإسبان انتقاماً لما فعلوه بالمسلمين في الأندلس بعد أن سقطت غرناطة بأيديهم عام 898.
وفي عام 939 دعا الخليفة العباسي سليمان إلى استانبول خير الدين ، وكلفه ببناء السفن والاستعداد لغزو تونس ، فقام بالأمر حق قيام ، وعندما سافر الخليفة إلى تبريز عام 940 سار خير الدين عبر مضيق الدردنيل إلى مالطة كي يخفي قصده ، كما غزا بعض موانئ جنوبي إيطاليا ، ثم قصد تونس عام 941 ، وتمكن من احتلالها بسهولة باسم الخليفة العثماني ، وقد عزل مولاي حسن آخر الحفصيين ، وعين مكانه أخاه الرشيد. ونتيجة ذلك الفوز اتفق شارلكان ، وأشراف الإسبان في برشلونة ، ورهبان مالطة على حرب المسلمين ، وقاد الجموع شارلكان بنفسه ، وأعاد حسن الحفصي إلى الحكم بعد معاهدة معه ، سمحت للنصارى بالاستيطان في إقليم تونس ، وإقامة شعائرهم بحرية ، ودفع الحفصي تكاليف الحرب ، وتنازل لشارلكان عن بنزرت وعنابة. واضطر خير الدين أن ينسحب إلى الجزائر.
والتقى خير الدين عام 944 بأسطول شارلكان وانتصر عليه ، كما غزا جزيرة كريت ، وتوفي عام 953هـ.
الحروب على أوربا
هاج الرأي العام النصراني في أوربا على فرنسا وتحالفها مع الدولة العثمانية المسلمة التي تقاتل النمسا الدولة النصرانية فما كان من ملك فرنسا فرانسوا الأول إلا أن خضع للرأي الصليبي ، وهادن ملك النمسا ، وأخلف بما وعد به العثمانيين من غزو مشترك لايطاليا.
وعادت الحرب بين العثمانيين والنمسا عام 943 وانهزمت النمسا ، وحرض فرديناند أخو شارلكان أمير البغدان على التمرد على العثمانيين لكن فتنته قد قمعت ، وعزل عن الإمارة ، وتولى مكانه أخوه اصطفان عام 944 ، وعزز العثمانيون حاميتهم هنالك.
واتفق جان زابولي ملك المجر ، مع الأمير النمساوي فرديناند على اقتسام المجر ، وإنهاء التدخل العثماني ، وللإيقاع بزابولي فقد أرسل فرديناند نسخة من الاتفاق إلى الخليفة العثماني ليعرف عدم ولاء زابولي ، ويقصيه عن الملك ، وعندها يزداد النفوذ النمساوي في المجر ، ويزول من طريقه حليف العثمانيين.
ومات جان زابولي ملك المجر عام 946 قبل أن يلقى الجزاء من الخليفة ، وهاجمت الجيوش النمساوية المجر بسرعة لإنهاء الحماية العثمانية ، وحاصرت مدينة (بودا) وفيها أرملة زابولي وطفلها ، واحتلت مدينة (بست) المقابلة لمدينة (بودا) ، ومع وصول الخبر إلى الخليفة اتجه فوراً عام 947 على رأس جيش ففر النمساويون ، وغدت المجر ولاية عثمانية ، وأما أرملة زابولي وأم الطفل والوصية عليه ، فقد قبلت تلك الحماية المؤقتة لبلوغ الطفل سن الرشد.
وأخيراً عقدت معاهدة بين الخليفة العثماني والنمسا عام 954 لمدة خمس سنوات تدفع بموجبها النمسا جزية سنوية لقاء ما بقي تحت يدها من المجر.
العمل العثماني في جزيرة العرب
أمر الخليفة العثماني سليمان القانوني حاكم مصر سليمان باشا أن يجهز أسطولاً ، ويتجه به لمحاربة الصليبيين البرتغاليين ، وأن يفتح عدن وبلاد اليمن كي لا تقع بأيدي الصليبيين ، فبنى سليمان باشا أسطولاً مؤلفاً من سبعين سفينة ، واتجه به على رأس عشرين ألف جندي ، وفتح عدن ، ومسقط ، وحاصر جزيرة هرمز عام 944.
وكان قد وصل إلى استانبول قبل عام سفير من كوجرات بالهند ، يستنجد بالخليفة ضد البرتغاليين الذين وصلوا إلى سواحل الهند ، وآخر من دهلي يستنجد به ضد همايون بن ظاهر الدين محمد المشهور ببابر ، وهو من المغول الذين دخلوا الهند وحكموها.
وانطلق سليمان باشا إلى كوجرات ، ودخل بعض القلاع التي أقامها البرتغاليون على سواحل الهند ، ولكنه هزم في معركة ( ديو) البحرية أمام البرتغاليين ، ورجع إلى بلاده ، وكانت اليمن قد أصبحت ولاية عثمانية.
العمل العثماني في أذربيجان
جاء إلى استانبول أخو الشاه الصفوي ، يشكو إلى الخليفة ظلم أخيه ، وهضم حقوقه، وطلب منه مساعدته ضده ، فسار الخليفة عام 954 ودخل تبريز ، وكان هذا الدخول العثماني لهذه المدينة المرة الثالثة وعاد الخليفة إلى استانبول عام 955.
العودة إلى أوربا
تنازلت ايزابيلا أرملة زابولى عن ترانسلفانيا إلى فرديناند الأمير النمساوي مخالفة بذلك شروط الهدنة الموقعة بين العثمانيين والنمساويين ، فأرسل الخليفة جيوشه التي احتلت ترانسلفانيا بعد مقاومة ، وذلك عام 957 ، كما انتصرت على النمساويين في عدة مواقع عام 958.
ومات ملك فرنسا فرانسوا الأول وخلفه ابنه هنري الثاني فجدد المعاهدة مع العثمانيين عام 959 ، وأغارت بعدها الدولتان على صقلية وجنوبي إيطاليا ، وفتحت أساطيلهما جزيرة كورسيكا ، ثم اختلف القائدان ، فتركا الجزيرة وعاد كل منهما إلى بلده.
وحاصر العثمانيون جزيرة مالطا عام 971 مدة أربعة أشهر ، ولم يتمكنوا من فتحها. وعاد الخليفة للقتال في بلاد المجر عام 973 نتيجة الخلاف بين اصطفان زابولي ملك المجر ، ومكسمليان ملك النمسا الذي خلف أبوه فرديناند. وتوفي الخليفة في أثناء حصاره لإحدى القلاع هناك عام 974.
وكان الخليفة قد قتل ابنه مصطفى بدسيسة من زوجته الروسية (روكسلان) ليتولى ابنها سليم الثاني الخلافة بعد أبيه. وكان مصطفى قائداً عظيماً محبوباً من الضباط ، كما سعت (روكسلان) لقتل ابن مصطفى الذي لا يزال رضيعاً . وكذلك قتل سليمان القانوني ابنه الآخر بايزيد وأبناءه الأربعة بدسيسة من أحد الوزراء بتعليم من سليم من سليمان ، واضطر بايزيد أن يتمرد على أبيه خوفاً منه عندما امتنع عن تنفيذ أوامره بالانتقال من حكم ولاية قونية إلى (أماسيا) ، غير أنه هزم ، ففر مع أبنائه إلى الصفويين ، فراسل الشاه طهماسب الخليفة ، ثم سلمهم إلى رسول الخليفة الذي بعث لاستلامهم فقتلهم مباشرة في مدينة قزوين.