إذا جاز الحديث عن عبقريات الأنبياء فإن عبقرية يوسف عليه السلام قد وضعت أسسا ،وحددت معالم في علوم الاقتصاد ، وفي مجال معالجة الأزمات ، ولمن له اهتمام بالرؤية والمستقبليات.
إن يوسف الحكيم عندما أدرك عن طريق رؤية الملك بموعدالخطر الداهم ، أمر القوم وبصفة فورية حيث لا داعي للتأخير على أساس أن مدة سبع سنوات طويلة ، وأنه يمكن أن يؤجل اتخاذ القرار وتنفيذه إلى أن تتضح الأمور أكثر، كما هو دأب الشعوب المتخاذلة المتكاسلة، فأمرهم ببذل الجهود المضاعفة المستمرة في زيادة الإنتاج، وقال (تزرعون سبع سنين دأبا). "والخبر هنا بمعنى الأمر، فأَوجب عليهم الشُّروع في زراعة القمح دائبين عليه دأبا مستمرًا ، سبع سنين بلا انقطاع". (تفسير المنار - (12 / 263)
وبذل الجهد في إنتاج ما يلبي حاجات البشر أمر مقصود عند خالق الكون، حيث أودع أرزاق البشر في مكامن الأرض، وأناط الحصول عليها بالجهد البشري، بنوعيه الجسدي والعقلي، إلا أن في الأوضاع العادية ينصب اهتمام الإنسان على حاجات نفسه وذويه، وكل يجتهد وفق اعتباره للحاجات الشخصية، ولكنه إذا ارتبطت مصالح المجتمع والدولة بالمجهود الفردي وذلك في وقت الأزمات، فالجهد يجب أن يكون دائبا ومضاعفا، وأن يسهم فيه كل حسب طاقته، لأن مواجهة النوازل العامة ليس من مسؤولية الدولة وحدها، بل يتجاوز إلى كل أفراد الرعية، ولذا لم يكلف الملك بعمل الزراعة، بل عزا المهمة إلى كافة الناس فقال: (تزرعون سبع سنين دأبا) وقال: (فما حصدتم فذروه في سنبله).