المفهوم والبداية

التاريخ الوسيط : المفهوم والبداية

د. فتحي عبد العزيز محمد

إن القول بتقسيم التاريخ الإنساني إلي فترات يقود بالضرورة إلي جدل لا ينتهي بين مؤيد ومعارض . غير أن تاريخ الإنسانية مر بفترات وأحداث كثيرة هامة تميز البعض منها بميزة دفعت الكثير من المفكرين إلي اعتبار بعضها بداية حقبة تاريخية ونهاية أخري . لما لها من أثر وما أحدثت من تحولات , الأمر الذي دفع بمفكري عصر النهضة ومنهم ميكيافيللي في القرن السادس عشر الميلادي ومن بعده سيلاريوس في القرن السابع عشر إلي القول بفترات التاريخ الثلاثة : عصور قديمة , وعصور وسطي , وعصور حديثة ([1]) . وهو ما أثار جدلا بين المؤرخين , فإننا لو قبلنا بهذا التقسيم فما هي بداية كل فترة من الفترات , وما هي أيضا النهاية التي تقف عندها . وأيا ما كانت النهاية التي صار إليها الجدل , فقد أصبح أمر ا واقعا بين المؤرخين والمتلقين لأعمالهم القبول بما قال به سيلاريوس كحل يمكننا معه دراسة التاريخ بشكل يسهل فيه علي المؤرخ والقارئ معرفة ما تميزت به كل فترة من فترات التاريخ الإنساني من ميزات عامة , وأحداث رئيسية . وما يهم في هذا التقسيم هو مصطلح العصور الوسطي , فهو مصطلح ـ كما رأينا ـ ضمن تقسيم للتاريخ وضعه مفكرو عصر النهضة فهم أول من اسموا الفترة السابقة علي عصرهم العصور الوسطي ( [2] ). ولا يغيب عن البال إن ذلك التقسيم قائم علي أساس من رؤيتهم للحضارة الإنسانية . وأدي بهم هذا المنظور إلي اعتبار العصور القديمة من يونانية ورومانية عصور الحضارة الكلاسيكية , والحديثة ـ أي عصر النهضة ــ عصور إحياء لها , إلي جانب ما تحقق للعلوم التجريبية والكشفية من تقدم ([3]) بينما تمثل الفترة الوسيطة في نظرهم فترة تخلف وانحطاط وهو ما يدل علي عداء من جانبهم لثقافة أوربا الغربية منذ عصر الإمبراطورية الرومانية وحتى عصرهم . وتواصل العداء علي امتداد قرنين من الزمان . فقد تبني كتاب القرنين السابع عشر , والثامن عشر مصطلح التاريخ الوسيط بهدف الإساءة إلي الكنيسة والفلسفة المدرسية والأدب والفن في فترة تربو علي الألف عام من عمر الحضارة الغربية .[4]

بيد أن فكرة وجود عصر تاريخي وسيط , علي الرغم من انتشار استخدامها في عصر النهضة , كانت مفهوما صاغه مفكرو الكنيسة أنفسهم في العصور الوسطي ذاتها , فالفكر المسيحي جاء بتصور طولي مفرد لسياق التاريخ منذ بدء الخليقة إلي يوم الحساب , و ساد ببنهم الاعتقاد بوجود عصر وسيط بين البدء والانتهاء[5]. غير أنهم بالتأكيد لم يستخدموا ذلك المصطلح للدلالة علي الفترة التي عاشوا فيها , فمن الطبيعي أن الناس في العصور الوسطي لم يفكروا بأنفسهم علي هذا النحو أي أنهم في العصر الوسيط Meduim Aevum فالكتاب تحدثوا عن أنفسهم آنذاك علي أنهم الأحدث Nos Moderni([6]) . ومهما يكن من أمر فإن المصطلح جاء لإضفاء معني زمني علي حقبة من حقب التاريخ الإنساني , تمتد مابين القرن الرابع والقرن الخامس عشر . ويري كانتور أن النظر إلي تلك الفترة بمنظور مفكري عصر النهضة علي أنها عصور بربرية متخلفة أمر يجافيه الصواب . فهي فترة تغير سريع ولا تتسم كلها بالوحدة , بل أنه يمكن تقسيمها علي الأقل إلي ثلاث فترات متمايزة . تبدأ الأولي تقريبا عام 300م وحتى منتصف القرن الحادي عشر وتعرف بالعصور الوسطي الباكرة , وتميزت بملامح مدنية غربية تظهر في خلفية الصورة , فالصراع بين الغرب الأوربي والغزاة البرابرة ساد تلك المرحلة وتحملت الكنيسة عبء النضال للحفاظ علي الحضارة الغربية وتطوير النظم والمؤسسات في مواجهة الجرمان الأقل شأنا في مستواهم الحضاري . أما الفترة الثانية فهي العصور الوسطي العالية وتميزت بانتعاش وازدهار في الفن والأدب والفلسفة , واستغرقت تلك الفترة القرنين الثاني عشر والثالث عشر . لتليها فترة ثالثة وأخيرة شهدت فيها أوربا تمزقا وفوضي وانحلال سياسي واقتصادي . وهي فترة العصور الوسطي المتأخرة وتبدأ بالقرن الرابع عشر وتنتهي بالذي يليه فقد ظهرت مع نهاية القرن الخامس عشر مثل العصر الحديث ونظمه . وعلي الرغم من أن ذلك التقسيم للعصور الوسطي ذي الجدوى بشكله التقليدي إلا أن كانتورـ وبهدف الدقة والجدوى الأكثرـ عمد إلي تقسيمها إلي تقسيمات فرعية. فقد قسم العصور الوسطي الباكرة إلي أربعة أجزاء الأول يبدأ من اضمحلال حضارة البحر المتوسط وبزوغ الكنيسة المسيحية حتى القرن الرابع ,أما الثاني فيبدأ من القرن الخامس وحتى عام 725ويهتم فيه بالأسس الجرمانية للحضارة الأوربية , وتأثير التوسع الإسلامي . بينما الجزء الرابع ركز فيه علي أول توفيق بين المنابع اللاتينية والمسيحية والجرمانية ذلك التوفيق الذي أوجد أوربا الأولي وينتهي مع بداية القرن العاشر . والجزء الأخير ما بين عامي 900و1050 وهو العصر الذي بدأت خلاله تظهر نظم أوربية كثيرة. كما قسم العصور الوسطي العالية أيضا إلي أربعة أجزاء , الأول من 1050 إلي 1130 وفي تلك الفترة ونتيجة لأزمة الوعي بين الكثيرين من زعماء الكنيسة حدث انهيار للتوازن الذي شهدته العصور الوسطي . أما الفترة من 1130 وحتي 1200 فيري كانتور أنها فترة نمو عظيم في جميع نواحي الحياة من شئون دينية ودراسات إنسانية وسلطة زمنية . وكانت الفترة الثالثة من 1200و حتي 1270 بمثابة تلخيص النتائج وتنظيم الأمور , لتجيء الفترة الرابعة بما حملت من مواجهات عنيفة مدمرة ما بين سنة 1270 وسنة 1325 . أما الفترة الختامية من تاريخ العصور الوسطي فقد تميزت بالحروب والأوبئة والانهيار الاقتصادي إلي جانب الخصومات الدينية والفكرية المريرة وإن حملت في طياتها بعض ملامح عصر قادم هو العصر الحديث [7]

ايه الشغل الجامد ده ياعبد الرحمن بس بجد الله ينور

شكرا ليكى ولاء ويارب اكون عند حسن الظن