التحرير الإسلامي للمرأة
إن المرأة على مر التاريخ قد حملت من القيود والمظالم الكثير، ولذلك فإن الدعوة الى تحرير المرأة هى دعوة حق، ومقصد من مقاصد الإحياء الإسلامي المعاصر. والنموذج الإسلامى لتحرير المرأة،هو ذلك الذى يرى المرأة الشِّق المكمل للرجل والمساوى له أيضًا في القيمة الإنسانية، مع الاحتفاظ لكل منهما بتميزه في الصفات الفطرية التي خُلق عليها بما يؤهله لأداء المهمة التي هيأه الله لها في الحياة، وكذلك في الصفات العملية التي يتمايز بها سائر الناس، كل فرد عن آخر، حتى عن بني جنسه، كالصحة وقوة البدن والعقل والتقوى والجاه والمال وغيرها، ويراعى الإسلام هذه المساواة وهذا التمايز فى كل الميادين.وإذا شئنا مجرد الإشارة الى بعض المعالم القرآنية التى تمثل سمات للنموذج الإسلامى فى تحرير المرأة، فإننا سنجد الكثير:
· فقد سوى الله I
فى الخلق وفى الإنسانية بين المرأة والرجل، فخلقهما جميعًا من نفس واحدة: }هُوَ الَذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إلَيْهَا{ [الأعراف: 189].· وأراد
I للعلاقة بين الرجل والمرأة أن تكون علاقة مودة ورحمة على نحو تصبح فيه المرأة السكن الذى يسكن إليه الرجل، فيحقق بذلك سعادته وسعادتها فى الحياة، بل لقد جعل I ذلك آية من الآيات: }وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{ [الروم: 21]. · وجاء الخطاب الإلهى عاماً للمرأة والرجل وكذلك التكليف، تأكيدًا للمساواة بينهما فى الأهلية: }إنَّ المُسْلِمِينَ والْمُسْلِمَاتِ والْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ والْقَانِتِينَ والْقَانِتَاتِ والصَّادِقِينَ والصَّادِقَاتِ والصَّابِرِينَ والصَّابِرَاتِ والْخَاشِعِينَ والْخَاشِعَاتِ والْمُتَصَدِّقِينَ والْمُتَصَدِّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ والْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ والْحَافِظَاتِ والذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا والذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وأَجْرًا عَظِيمًا
{ [الأحزاب: 35].· ولكمال المساواة فى أهلية التكليف كان كمال المساواة فى الحساب والجزاء على التكاليف والأمانات التى استوى النساء والرجال فى حملها: }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ولَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
{ [النحل: 97].·
ولما كانت فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هى جماع العمل العام فى الحياة الإسلامية، نص القرآن الكريم على مساواة النساء والرجال فى التكليف بها، حيث يقول U: }والْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ويُطِيعُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ [التوبة: 71].ولقد جاءت السنة النبوية لتجسد هذا المنهاج القرآنى فى تجربة عصر البعثة وصدر الإسلام، وذلك عندما حققت للمرأة المسلمة هذا النموذج الإسلامى فى التحرير، فبدأت الاستجابة للرسالة الخاتمة بامرأة هى السيدة خديجة، وكانت سمية طليعة شهداء الإسلام، وكانت أسماء بنت أبى بكر ثالثة ثلاثة ائتمنوا على أخطر التحولات التى غيرت مجرى الدعوة الإسلامية، هجرة الرسول r
من مكة الى المدينة، بل أسهمت فى التدبير لها والتنفيذ، وفى بيعة العقبة التى مثلت الجمعية التأسيسية لإقامة الدولة الإسلامية الأولى شاركت المرأة الرجال فى إبرام التعاقد الدستورى لإقامة الدولة، فكانت أم عمارة وأم منيع فيمن شارك فى عقد تأسيس الدولة الإسلامية. ولم تعد المرأة جزءًا من سقط المتاع، ينوب عنها الرجل فى الشئون العامة، وإنما أصبحت لها شخصيتها المستقلة فى الذمة المالية، والاستثمار للأموال، تنمية وإنفاقًا، وفى اختيار الزوج، ورعاية البيت والولد، وفى مختلف ألوان المشاركة فى العمل الإسلامى الاجتماعى العام.بل إن وقائع سيرة التجربة الإسلامية فى عصر البعثة تحكى عن عمل نسائى جماعى، جدير بأن يكون نموذجًا ونقطة استلهام واقتداء للحركات النسائية الإسلامية على مر التاريخ.ولقد روى الكثير من الأحاديث خروج النساء مع المقاتلين، وإسهامهن فى إعانة المقاتلين، بل ومشاركة بعضهن فى القتال، أى أن هذا التحرير الإسلامى للمرأة قد فتح أمام ممارساتها وإسهاماتها الآفاق. هكذا كان التحرير الإسلامى للمرأة، والذى حقق للمرأة المساواة الكاملة فى الخلق والإنسانية، وأباح لها -وكثيرًا ما أوجب عليها- المشاركة فى الشأن الاجتماعى العام، مع الحفاظ على تميز الأنوثة عن الذكورة، كى لا تتشوه الفطرة التى فطر الله الناس عليها. أرشيف الرؤى الإسلامية