اللغة الأم للبشرية:
كان اليهود قد أشاعوا عند الناس قبل الاكتشافات الأثرية أن لغتهم العبرانية هي اللغة الأم للناس، وأنها لغة آدم والقرون الأولى،
وانتشر هذا الاعتقاد في أوروبا في القرون الوسطى.
ولما جاءت الاكتشافات الأثرية وتشكل علم اللغات لم تقو تلك الدعوى على الصمود، حيث اكتشفت كتابات بلغات أخرى قبل
الزمن الذي دونت فيه التوراة، وأرسل فيه موسى، بل قبل زمن إبراهيم عليه السلام، ولم يعثر على كتابات أو آثار عبرية من تلك
الأزمان المتقدمة بتاتا.
فقد وجدت سجلات مكتوبة باللغة الصينية ترجع إلى قبل ثلاثة آلاف وخمسمائةسنة، أي في حدود 1500 ق.م، كما وجدت
سجلات بالكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة قبل خمسة آلاف عام, أما أقدم سجلات مكتوبة ومعروفة حتى الآن فهي صور
الكلمات السومرية المكتوبة قبل حوالي خمسة آلاف وخمسمائة عام، أي في حدود 3500 ق.م.
وعلى هذا الأساس؛ وعلى أساس دراسات التشابه اللغوي والاشتقاقات اللغوية والصوتية في اللغات، وأسس علمية أخرى؛ يرى
بعض علماء اللغات أن اللغة البابلية هي اللغة الأم للبشرية، وهي اللغة التي تكونت السومرية منها.
كما أن هناك فرضيات أخرى للغة الأم منها السريانية والعربية.
والراجح أن اللغة البابلية هي لغة الناس الأم بعد الطوفان، في حدود الألف الرابعة قبل الميلاد.
وهنا يتبادر السؤال المهم:
كيف؛ ولماذا اختلفت اللغات وتنوعت؟
نشأت الحضارة الأولى في العراق بين نهري دجلة والفرات، وهي حضارة البشرية بعد الطوفان ولغة الناس حينئذ البابلية.
وحصل أن الناس كثروا بعد ذاك فتفرقوا في الأرض في هجرات جماعية طلبا للعيش وبحثا عن الرزق، وكان من أول الهجرات
تلك التي كانت إلى بلاد النيل، وإلى الصين، وكونت حضارات كبرى مشهورة.
وبدأ الناس يجدون في أماكنهم التي وصلوها أشياء جديدة، فيسمونها بأسماء يخترعونها، وتكون الأسماء المخترعة مختلفة بين
أصحاب كل حضارة، وتعتمد الإضافات على أصوات ما يرون ويسمعون، وبدأت تضاف مع الأيام كلمات أخرى واختصارات
وألفاظ جديدة على حسب الحاجة، واشتد الخلاف مع مرور السنين.
ثم أصبحت تتفرع من أصحاب كل حضارة لغات أخرى أيضا بسبب الهجرة والتباعد، فتبلبلت ألسن الناس.
هذه هي النظرية العلمية الأقوى، وعليها أكثر علماء اللغات.
وهناك أساطير مشهورة تمتلئ بها كتب التاريخ التي تقوم على روايات ولا تعتمد على الدراسات والاكتشافات –ومنها كتب
التاريخ العربية القديمة- تروي بعضها قصة طريفة لا بأس من ذكرها.
فيذكرون أن الناس كانوا على اللغة البابلية حتى زمن النمرود الذي طلب أن يبنى له معراج عظيم للسماء ليرى رب إبراهيم النبي
حينذاك، فعندما صعد السقف خر عليه وعلى قومه فنتج من سقوطه وما أحدثه من خوف عند الناس وذهول شديد أن تبلبلت ألسن
الناس، وتفرقت فأصبحت كل مجموعة منهم تتكلم بلغة لا يفهمها الآخرون، وتفرقت كل مجموعة بلغتها إلى بلد من البلدان، فكانت
أساس اللغات.
ورغم أن القصة تقوم على مجرد روايات منقطعة، لكن يمكن اعتبارها فرضية في هذا المجال لأمور:
منها دعواها أن البابلية هي أساس اللغات، وهذا ما يذهب إليه بعض خبراء علم اللغات الحديث بتجاربه، بعد تدوينه في تلك
الكتب بألف عام أو يزيد.
ومنها ذكر أن ذلك حصل في زمن إبراهيم (أواخر الألف الثالث قبل الميلاد) وهو زمن قريب من زمن نظرية الحضارة الأولى
السابقة(أوائل الألف الثالثة للميلاد).
هذا بغض النظر عن قصة النمرود وما حصل له مع إبراهيم من مواجهات، ومحاولته بناء المعراج، وتلك قصص حقيقية عرج
عليها القرآن تصريحا أو تلميحا، وانظر بعض التفاسير عند آية (فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا
يشعرون)
لكن أين دور الكتابة في المحافظة على اللغة في النظريتين السابقتين؟
متى نشأت الكتابة للغات؟:
الرأي السائد عند علماء اللغات أن الكتابة لم تظهر إلا بعد اللغة المنطوقة بفترة طويلة، وأن الناس لم يكونوا يستخدمون الكتابة في
عصورهم الأولى.
ويرجع بعض علماء اللغة ظهور الكتابة لمنتصف القرن الخامس قبل الميلاد!
لغة الإسبرانتو:
وهي لغة عالمية حاول بعض العلماء اختراعها في القرن الماضي، لتعميمها على الناس كلهم، ودعمتها بعض الدول والمنظمات
العالمية، وتعلمها مئات الآلاف من الناس حينذاك، ولم تستمر الفكرة إلا سنوات قليلة حتى ضعفت وتلاشت، لفقدانها الخصائص
الثقافية التي في كل اللغات الحية القديمة.
كيف يتعلم الناس اللغة؟:
يتعلمونها بطريقة تلقائية، فيشعر الصغار بالحاجة للتعبير عن احتياجاتهم الخاصة؛ ومن ثم يبدأون الاستماع للكبار وتقليدهم، ثم
يتعلمون تدريجيا انتقاء ونطق الأصوات المستخدمة في اللغة السائدة في مجتمعاتهم.