وتجدر الإشارة هنا إلى وجود طلب نوعي على العمل في دول الاستقبال، هذا الطلب يستجيب وفقا لمعايير كلفة تشغيل العامل ومرونته في قبول أعمال صعبة حسب احتياجات سوق العمل وغالبا ما تكون هذه الأعمال مؤقتة ومنبوذة اجتماعيا. هذا الطلب يصدر أساسا عن قطاعات كالفلاحة والبناء والخدمات.
ويوفر المهاجرون كذلك ما يحتاجه القطاع غير المهيكل من يد عاملة حيث يمثل هذا القطاع ما بين 20 و25% من الناتج المحلي الإجمالي في دول القوس اللاتيني.
وتحصل هذه القطاعات على امتيازات مالية واجتماعية بتوظيف هذه اليد العاملة التي تتميز بكونها طيعة وغير مكلفة.
ويظل الجزاء القانوني حتى الآن، ورغم القوانين الصادرة للحد من الهجرة غير الشرعية، دون حد رادع لأصحاب العمل عن استغلال هذه اليد العاملة الغير شرعية.
وقد أدت جدلية الرفض القانوني والطلب الاقتصادي إلى إنعاش ما يمكن تسميته بـ"تجارة الأوهام". وقد تكونت شبكات منظمة في مختلف مناطق مرور المهاجرين السريين لتقدم خدماتها إلى هؤلاء. ويؤدي المرشح للهجرة السرية ما بين 600 إلى 5500 دولار في مضيق جبل طارق.
وتفوق هذه الكلفة بكثير هذه القيمة بالنسبة للشبكات العاملة بين آسيا وأوروبا أو الولايات المتحدة، ويقدر رقم معاملات هذه الشبكات على المستوى الدولي بحوالي 7 ملايين دولار في السنة.
كل هذه العوامل تغذي الرغبة في الهجرة، وهذا النزوح هو أقوى عند الشباب كما تدل على ذلك مختلف المسوح التي أجريت في هذا الشأن في دول المغرب العربي والتي تبرز بعضها أن الرغبة في الهجرة في المغرب موجودة عند 19% من السكان النشيطين وهي أعلى عند عن الطلبة حيث تبلغ 54%.
والخلاصة أن محددات الهجرة كثيرة ومتباينة وأن الإجراءات القانونية لدول الاستقبال لا يمكن أن تكون فاعلة إلا إذا واكبتها إجراءات مصاحبة للتأثير على هذه العوامل في إطار مقاربة شاملة ويلخص العالم الديمغرافي الفرنسي الكبير ألفريد صوفي Alfred Sauvy إشكالية الهجرة بقوله "إما أن ترحل الثروات حيث يوجد البشر وإما أن يرحل البشر حيث توجد الثروات".