النظرية في العلاقات الدولية
المدرسة المثالية في العلاقات الدولية
نشأت المثالية بعد الحرب العالمية الأولى في غمرة حملة تبسيط السياسة الدولية وجعلها في متناول مدارك الناس، و نتيجة ازدياد الشعور الشعبي بأن الحرب قد طالت حياة الجميع وأن من مسبباتها الأساسية الاتفاقيات الدولية السرية وسياسات بعض الدول والتحالفات التي كانت تعقد.
تمثل التيار المثالي في الحقل الأكاديمي بدراسة وتدريس القانون الدولي والمنظمات الدولية بغية القضاء على النزاعات وإقامة تنظيم أفضل للعالم وخدمة أهداف السلم ودعم وتطوير التفاهم الدولي. تقوم على فكرة خضوع الدول لقواعد القانون الدولي العام ودور القانون الدولي في ضمان وصيانة الأمن والسلام العالمي.
اهتمت المثالية بدراسة المنظمات الدولية وتتبع دورها في المجتمع الدولي. وقد ساهم ميثاق عصبة الأمم في بلورة مقاييس كثيرة استعملتها المثالية كمعايير لمدى توافق سياسات الدول مع السلوكية الدولية التي يفترض أن ينتهجوها. ولقد نشأت المثالية من مصادر فكرية وفلسفية عديدة كانت سائدة في القرون الماضية في أوربا. وكانت المثالية فردية من حيث اعتبار الضمير الإنساني الحكم الأعلى في القضايا الأخلاقية.
وينطلق المثالي من أولوية الأخلاق في العلاقات بين الإفراد إن كان في إطار المجتمع الوطني أو الإطار الدولي. ويرى المثالي أن واجب الفرد الخضوع للقوانين والقواعد التي وضعت لخدمة المجتمع. وينطلق المثالي من مسلمة انسجام المصالح (Harmony of Interests) ليعتبران هناك توافق طبيعي بين المصلحة العليا للفرد والمصلحة العليا للجماعة. فالفرد عندما يعمل لمصلحته الذاتية يعمل لمصلحة الجماعة. وعندما يدعم مصلحة الجماعة فهوا يدعم مصلحته.
شكلت إذن المثالية مقترب أخلاقي- قانوني ركز على بناء عالم أفضل خال من النزاعات. وانطلقت من مسلمات فلسفية تفاؤلية حول الطبيعة البشرية.
وفي إطار دراسة العلاقات الدولية لم تركز المثالية على مفهومي الدولة والنظام الدولي بقدر ما اتجهت فرضياتها ومقترحاتها نحو مفاهيم الفرد والرأي العام والبشرية. فالقضية السياسية والأخلاقية الأساسية التي اعتبرت المدرسة المثالية أنها تواجهها كانت قضية الفجوة القائمة في العلاقات الدولية بين الواقع المتمثل بالحرب العالمية الأولى وبين الطموح في بناء عالم أفضل.
ازدادت الفجوة في الثلاثينيات بين النظرية المثالية من جهة والواقع السياسي الدولي من جهة أخرى [و] الذي كان من ابرز مظاهرة الغزو الياباني لمنشوريا عام 1931 واحتلال ايطاليا لأثيوبيا عام 1935 وبروز النازية في ألمانيا. وازدادت التحديات الواقعية على النظرية المثالية وثبت عجزها وفشلها. وما كان ينقص النظرية المثالية هو فهم الأسباب التي تدفع بالدول لانتهاج سلوكيات نزاعية أو عدوانية.
المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية
تمثل مدرسة الواقعية السياسية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية ردة فعل أساسية على تيار المثالية. وهدفت الواقعية إلى دراسة وفهم سلوكيات الدول والعوامل المؤثرة في علاقاتها بعضها مع بعض. . . [لقد] جاءت الواقعية لتدرس وتحلل ما هو قائم في العلاقات الدولية, وتحديداً، سياسة القوة والحرب والنزاعات، ولم تهدف كما فعلت المثالية إلى تقديم . . . [مقترحات] وأفكار حول ما يجب أن تكون عليه العلاقات الدولية.
وقد حاول الواقعيون الحصول على أجوبة لأسئلة مازال يطرحها الأكاديميون والمهتمون بالشؤون الدولية منذ الستينات وحتى يومنا هذا. إذن هدفت الواقعية إلى تقديم نظرية سياسية لتحليل وفهم واستيعاب الظواهر الدولية.
يرى مورغنثاو (وهوا من ابرز منظري الواقعية) بان السياسة الدولية تتميز (وتنفرد) كفرع أكاديمي عن دراسة التاريخ والقانون الدولي والأحداث الجارية والإصلاح السياسي.
أهم المسلمات الأساسية في الفكر الواقعي
1. أن السياسة لا يمكن أن تحددها الأخلاق كما يقول المثاليون بل العكس هو الصحيح. وبالتالي فالمبادئ الأخلاقية لا يمكن تطبيقها على العمل السياسي.
2. أن النظرية السياسية تنتج عن الممارسة السياسية وعن تحليل وفهم التجارب التاريخية ودراسة التاريخ.
3. وجود عوامل ثابتة وغير قابلة للتغير تحدد السلوكية الدولية. وبالتالي فمن الخطأ، كما فعل المثاليون، الرهان على أن المعرفة والثقافة، يمكن أن تغير بسهولة في الطبيعة البشرية وفي الرأي العام.
4. أن أساس الواقع الاجتماعي هوا الجماعة، فالأفراد في عالم يتسم بندرة الموارد يواجهون بعضهم البعض ليس كأشخاص إنما كأعضاء في جماعة منظمة . . . [متمثلة في] الدولة.
وقد أضافت احد الدراسات الحديثة أهم افتراضات المدرسة الواقعية على النحو التالي:
1. تعتبر الدول أهم العوامل في السياسة الدولية، وبذلك فان التركيز على الدول (وليس علي المنظمات الدولية، أو الشركات متعددة الجنسية) كالوحدات الأساسية لتحليل يساعد عل فهم طبيعة التفاعلات في المجتمع الولي.
2. تحليل السياسة الدولية على أساس أن الدول تتصرف من منطلق عقلاني في تعاملها مع بعضها البعض. وبذلك فأنة من المفترض أن الدول سوف تقوم بدراسة البدائل المتاحة لها بشكل عقلاني وبرغتمائي (pragmatic) وسوف تتخذ القرارات التي تخدم مصالحها العليا والتي تكون بالعادة موجهه نحو زيادة قدرة الدولة وقوتها. وقد تقوم بعض الدول بذلك على الرغم من عدم حوزتها علي معلومات كاملة وواضحة كل الوضوح حول كل الخيارات البديلة، وبذلك قد تخطى في هذه الحالة عن اتخاذ القرارات الصائبة.
3. النظر لدولة كوحدة واحدة. على الرغم من أن متخذي القرارات في السياسة الخارجية لدولة ما؛ هم في الواقع أشخاص متعددين (رئيس الدولة، أو وزير الخارجية، الخ ) إلا أن الدولة تتعامل مع العالم الخارجي بصفتها كيان واحد متماسك. بنا على هذا الافتراض فان المدرسة العقلانية تعتبر أن انعكاسات السياسات الداخلية لدولة ما لا تكون حاسمة في مواقف تلك الدولة خارجياً.
4. اعتبار النظام الدولي بمثابة غابة نتيجة غياب سلطة مركزية تحتكر القوة وتستطيع فرض إرادتها على الكل كما هي الحال في [داخل] الدولة.
5. اعتبار العامل الأمني العامل الأهم في سياسة الدول الخارجية. فالدول سوف تبذل قصارى جهدها لكي تحافظ على (وتعزز و تقوى) أمنها بشتى الوسائل، حتى لو تطلب الأمر طلب قوى (دول) أخري لكي تساعد على صيانة هذا الأمن.
المدرسة السلوكية في العلاقات الدولية
نشأت المدرسة السلوكية في منتصف الخمسينات وتبلورت بشكل أساسي في الستينات. وهدفت السلوكية إلى إيجاد نظرية تعليلية تفسيرية و تنبؤيه. استعمل السلوكيون مناهج علمية وخاصة كمية في أبحاثهم واهتموا في تقديم واختيار فرضيات بشكل مقارن وقاموا ببناء نماذج و نظريات تقومعلى فرضيات ومفاهيم محددة بدقة ومترابطة منطقياً.
اهتم السلوكيون بالأنماط المتكررة وليس بالحالات الفردية كمحور للبحث. . . [حيث] يقوم بناء النظرية حسب السلوكيون على القدرة على التعميم وإطلاق الأحكام العامة. ويقوم هذا بدورة على إثبات الفرضيات. وظهر التحول مع السلوكية نحو المناهج العلمية القائمة على الإحصائيات وساهم في ذلك كله استعمال الحاسب الالكتروني والرياضيات.
اعتمدت المدرسة السلوكية في كثير من المجالات على النتائج التي توصل إليها علماء الاجتماع وعلماء النفس وعلماء الانثروبولوجيا الذين درسوا سلوكيات الأفراد والجماعات الاجتماعية. واستفادت المدرسة السلوكية من ذلك في بناء نظريات جزئية أو متوسطة في العلاقات الدولية، وذلك انطلاقاً من أن سلوكيات الدول هي أساساً سلوكيات الأفراد والجماعات الرسمية وغير الرسمية في تلك الدول.
الشرط الضروري عند السلوكيون لتحويل الوقائع والأحداث إلى معلومات وبيانات يتمثل في وجود إجراءات وقواعد تصنيف وترتيب واضحة يمكن تكرارها. . . [بذلك] تدعو السلوكية إلى استعمال قواعد ومناهج علمية تقوم بمجملها على القياس الكمي للمتغيرات.