العلاقات الإسرائيلية الصينية - الفرص والتحديات
نشرت هذه الترجمة لدراسة مركز يافي للدراسات الاستراتيجية بقلم يورام عفرون، في تقرير مركز دراسات الشرق الاوسط العدد 246. وفيما يلي النص:
يبدو أن الزيارة التي قام بها رئيس الوزارء ايهود اولمرت إلى الصين في شهر كانون ثاني الأخير لم تمهد أي مسارات نفوذ جديدة للسلطة الصينية، من جهة أخرى فإن أهمية الحدث لا يستهان بها إذ أنّ تضاعف الوجود الصيني في منطقة الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية يلزم إسرائيل بترسيخ علاقاتها السياسية بها، غير أن الأمر منوط بتحديات لم تتمكن إسرائيل من مواجهتها كما ينبغي، وإن الصعوبة الكبرى تكمن في مواجهة لاعب ثابت ثقافته السياسية تختلف عن العرب كما أن أهدافه وخطواته تتسم بالسرية، من هنا فإنه من الصعب معرفة أهدافه كيف يعمل ويتصرف، وما هي علاقته مع الآخرين وما هي نظرته حيال إسرائيل.
هذه الحقائق التي استطاعت إسرائيل الحصول عليها من الولايات المتحدة ودول أوروبا مطلوبة في الحالة الصينية أيضا وإلا فسوف تفوت فرصاً ثمينة جداً وتتحمل تكاليف كبيرة.
الهدف هنا هو طرح نقاط التماس في أهداف البلدين مع الإشارة إلى السبل الكفيلة بإعادة تثبيت علاقات إسرائيل بالصين.
الموقف الصيني من إسرائيل بمنظور تاريخي
يمتاز نظام العلاقات بين إسرائيل والصين أكثر من أي شيء آخر بالتوجه الواقعي والمرن الذي اتبعته الصين فقد كانت بداية العلاقات بالروابط التي أقامها رجل الأعمال شاؤول ايزبرغ مع القيادة الصينية في السبعينيات من القرن الماضي وبخاصة في جعلها تهتم كثيراً في ابتياع التقنيات الإسرائيلية وبما أن الصين كانت غارقة في إنشاء بنيتها التحتية اهتمت باستيراد التقنيات المتطورة على الصعيدين المدني والعسكري، في عام 1979م نجح ايزبزغ في عقد لقاء بين رؤساء الصناعات الأمنية الإسرائيلية والقيادة الأمنية الصينية وبذلك مهدا الطريق أمام عقد عدد من صفقات الأسلحة الكبرى، فقد ساهم هذا التعاون العسكري المشترك في خدمة الدولتين كثيراً عدا عن كونه افرز نظام علاقات قريبة وأوجد كثيراً من الثقة أدى إلى استمرار العلاقات.
من جهة أخرى فقد اخدت العلاقات تتسارع غير أن الصين رفضت مطالب إسرائيل في التقدم على الصعيد الرسمي خشية المس بعلاقاتها مع الدول العربية وإنه في بداية التسعينات وبعد انحياز الكتلة السوفيتية واعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بوجود إسرائيل وانعقاد مؤتمر مدريد نضجت اللجنة الخاصة بتأسيس العلاقات حيث أقام البلدين علاقات دبلوماسية كاملة في كانون ثاني 1992م.
ويشار هنا إلى أن العلاقات بين البلدين اتسمت بالحرارة غير العادية وذلك من خلال الزيارة الدبلوماسية الرفيعة المستوى بلغت قمتها في الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني إلى إسرائيل عام 2000م، تم خلالها التوقيع على اتفاقات تعاون كثيرة.
باستثناء الانجاز الدبلوماسي الهام بحد ذاته فإن إقامة العلاقات بين البلدين دفع بشكل محدود إلى تحقيق أهداف إسرائيل، فعلى سبيل المثال لم تتوقف الصين عن بيع الأسلحة لأعداء إسرائيل ورغم وعودها للقدس فقد واصلت تصدير وتقنيات الصواريخ إلى بعض الدول في منطقة الشرق الأوسط وفي أعوام التسعينات شاركت في مشروع إيران النووي.
من جهة أخرى ورغم أن الصين لينت من تصريحاتها حيال النزاع الإسرائيلي العربي إلا أنها لم تغير موقفها المؤيد للعرب، كما لم تتجه إلى التدخل في العملية السياسية مع أن إسرائيل في المقابل تبنت الموقف الصيني حيال مسألتي تايوان والتبت، وبصورة مماثلة وعلى الصعيد التكنولوجي كانت الصين هي التي حظيت بشكل أساسي باستيعاب التقنيات والمعارف العلمية أما في المجال الاقتصادي فلم يكن هناك سوى تقدم ضئيل.
في بداية التسعينات طرأ تغير على أنماط التجارة الأمنية بين إسرائيل والصين ففي أعقاب انهيار الكتلة السوفييتية والمجزرة التي نفذها الجيش الصيني في ميدان تيان مين (1989م)، سادت خلالها علاقات باردة بين واشنطن وبكين حيث فرضت الولايات المتحدة حظراً عسكرياً على الصين، لكن خلال تلك الفترة استأنفت الصين والاتحاد السوفيتي علاقاتهما وروسيا التي (ورثت مكان الاتحاد السوفيتي) أصبحت المزود الرئيسي للصين بالأسلحة، في غضون ذلك تواصل التدهور في العلاقات بين واشنطن وبكين وصلت ذروتها جراء وقوع حادثة عسكرية بينهما حول تايوان (1995- 1996)م، ولهذا السبب انخفض حجم الطلب الصيني للمنتجات الإسرائيلية وتزايد معارضة الولايات المتحدة للتصدير الأمني الإسرائيلي إلى الصين، وعلى ما يبدو فإن هذه التغيرات لا سيما التغيير الأمريكي حيال العلاقات الأمنية مع الصين لم تلق تفهماً من جانب صانعي القرار في إسرائيل، وفي عام 1999م وبعدما كشفت الصحف الإسرائيلية النقاب عن معطيات لها علاقة بصفقة طائرات "فالكون" بدأت الولايات المتحدة تعرب عن معارضتها لإتمام الصفقة رغم ادعاء إسرائيل أن الولايات المتحدة كانت على علم بل صادقت عليها مسبقاً.
إسرائيل التي اعتقدت أن بإمكانها التصدي لضغوط الولايات المتحدة،قدمت وعوداً للصين الصين بأنها ستكمل الصفقة، إلّا أنها أعلنت عن إلغائها في عام 2000م، وقد أدت هذه الخاتمة المزعجة للصفقة إلى الشعور بالتشاؤم حيال استمرار العلاقات مع الصين، وبرزت التقديرات القائلة أن الصين سوف توقف نشاط شركات إسرائيلية عاملة في أراضيها كما ستجمد أي إمكانية لتجارة أمنية مستقبلية مع الصين بل ستضاعف من انتشار الأسلحة في منطقة الشرق الأوسط غير أن هذه التكهنات كانت خاطئة من الناحية الواقعية العملية، أي باستثناء الفتور في العلاقات الدبلوماسية واصلت الصين تعاونها مع إسرائيل في نفس المجالات التي اعتبرتها مفيدة فعلى سبيل المثال توجهت إلى إسرائيل بطلب اطلاع الطائرة الصغيرة بدون طيار من طراز "هارفي" كانت قد اشترتها منها سابقاً حيث برهنت بذلك على سياساتها البراغماتية، في الواقع يمكن القول أن إسرائيل هي التي أدت إلى قطع العلاقات الأمنية عندما فشلت في فهم حجم الخطورة التي توليها الولايات المتحدة لتسلح الصين وفي عام 2005م، اضطرت إلى تشكيل جهاز رقابة مشدد على الصادرات الأمنية وحظر التجارة العسكرية مع الصين، أما على الصعيد التجاري فلم تتضرر العلاقات خلال الفترة ما بين عام 2000م، وهو العام الذي عُقد فيه صفقة الفالكون، وفي عام 2005م تضاعفت التجارة بين البلدين ثلاثة إضعاف وفي عام 2006م، زادت التجارة بنسبة 40% تقريباً مقارنة مع العام الذي سبق.
تجدر الإشارة هنا إلى أن العلاقات التجارية تصب في مصلحة الصين التي تحظى بفائض تجاري بنسبة عشرات بالمئة، أما فيما يتعلق بانتشار الأسلحة الصينية في الشرق الأوسط فإن الأمر يُعد تأثيرا محذراً منذ البداية من حقيقة وجود علاقات مع إسرائيل ومع أن الصين امتنعت من انتشار تكنولوجية إسرائيلية إلّا أنها توقفت عن القيام بعمليات بيع واسعة النطاق في الشرق الأوسط.
فرص وتحديات لإسرائيل
بالنسبة لإسرائيل فإن الأسئلة الرئيسية المطروحة تتعلق بالمجالات التي يمكن للصين أن تساهم في دفع المصالح الإسرائيلية وكيفية تجنيدها لذلك، فالتعامل مع هذه الأسئلة سوف يدور حول المجالات السياسية والاقتصادية:
- الصعيد السياسي: تتعلق القضية الرئيسية بالطريقة التي تزيد فيها الصين من مساهمتها في السياسة الشرق أوسطية وكيف يمكن لإسرائيل تجنيد دعمها وكما نعلم فإن الصين معنية بالبقاء خارج التصعيدات السياسية في الشرق الأوسط حيث تركز على الجدوى الاقتصادية ومع ذلك فإن أهدافها الاقتصادية لا سيما في مجال الطاقة تلزم بوجود علاقات قريبة من الأنظمة ذات الصلة وتعزيز وجودها في المنطقة، والسبب في ذلك هو أن الصين لاتكتفي بشراء النفط وإنما تستثمر في تطوير بنية تحتية ملائمة تضمن وصولها إلى الغاز والنفط لعشرات الأعوام ولذلك فإنها مطالبة باتخاذ موقف سياسي في السياسة الإقليمية، علماً أنها تميل إلى الارتباط بقوى تدفع نحو استقرار المنطقة، فعلى سبيل المثال وحول تصعيد الموقف الإيراني يبدو أن الصين تقوم بتوطيد علاقاتها مع السعودية ودول الخليج الفارسي وضمن هذه الظروف فإن السياسة المستقبلية للصين في الشرق الأوسط ستكون مرهونة بتطورات خارجة عن سيطرتها:
أولا: تفاقم التوتر مع الولايات المتحدة أو زيادة سيطرة واشنطن على مصادر النفط في الشرق الأوسط قد تضطر الصين إلى تعميق تدخلها في السياسة الإقليمية.
ثانياً: زيادة حدة التوتر بين أنظمة إقليمية والولايات المتحدة قد تدفع هذه الأنظمة إلى الارتماء في أحضان الصين.
ثالثاً: محاولات روسيا استعادة مكانتها في الشرق الأوسط من شأنها التأثير على الصين، وفي ظل وضع كهذا ستحاول بكين كما هو متبع في السياسة الصينية التقليدية- كسب هذا الوضع وقطف ثمار الخصام بين واشنطن وموسكو.
فيما يتعلق بإسرائيل فإن تأثيرها على هذه التطورات محدود، فهي في الوقت ذاته ينبغي عليها متابعتها عن كثب إذ من المحتمل أن تكون الصين ضيفاً دائماً ثابتاً في بلاط الحكام المحليين. وفي وضع كهذا لا سيما إذا كانت إسرائيل في أوج عملية سياسية في المنطقة، قد تطلب الاستعانة بالصين، بل إمكانية إيجاد قاعدة مشتركة معها ضد تيارات إسلامية متطرفة تهدد استقرار المنطقة وتهدد مصالح الصين ايضاً، ورغم ذلك وفي حال وجود علاقة بين الأقلية المسلمة في الصين والنشاطات الإسلامية المتطرفة الدولية فإنه ينبغي إتباع توجه حذر حيال الصين التي ستجد صعوبة في الاعتراف بذلك علناً حيث ستحاول معالجة الأمر بقواها الذاتية. - الصعيد الأمني:
هناك على جدول الأعمال مسألة انتشار الأسلحة الصينية في منطقة الشرق الأوسط والعلاقات العسكرية بين إسرائيل والصين، ويُشار هنا إلى أن منطقة الشرق الأوسط التي كانت في أعوام الثمانينات سوق التصدير الأساسي للصناعات الأمنية الصينية طرأ عليها انخفاض تدريجي في أعوام التسعينات، والسبب الرئيسي في ذلك هو الجودة المخففة للسلاح الصيني التقليدي وبالتالي فإن تحسين وتطوير نوعية هذه الأسلحة قد يؤدي إلى زيادة التصدير مرة أخرى.
ويشار هنا إلى أنه تنبغي الخشية من التطور الحاصل في مجال الأبحاث والتطوير الصينية خلال الأعوام الأخيرة وضعف التزاماتها (المحدودة منذ البداية) حيال إسرائيل بخصوص موضوع انتشار الأسلحة في أعقاب قطع العلاقات الأمنية بينهما، إن الأمر الذي ينبغي أن يقلق إسرائيل بشكل أساسي هو انتشار الأسلحة غير التقليدية الصينية في الشرق الأوسط فمنذ الثمانينات والصين تبيع لعدد من دول الشرق الأوسط مثل(إيران والسعودية وسوريا وليبيا ودول أخرى) منظومات أسلحة وتكنولوجيا عسكرية في مجال الصواريخ، حيث أن بعض هذه التقنيات تنزلق لتصل إلى كيانات سياسية أخرى في الشرق الأوسط ليتم استخدامها في ظروف ومناسبات مختلفة ضد إسرائيل(مثل إطلاق صاروخ ضد السفن من نوع 802-c من قبِل تنظيم حزب الله باتجاه سفينة حربية إسرائيلية إبان حرب لبنان الثانية).