الزخرفة:
أن المسجد بما يحتويه من الزخرف كثيرة ورائعة في الجمال إلا أننا لا نستطيع إلا ذكر أهم تلك الزخارف ذلك لان وصفها وشرحها يحتاج إلى مجموعة من الكتب لحصرها ووقت كافي لذلك واهم صفات المسجد الزخرفية هي تكمن في الزخارف التي على الجدران والقباب والمصنوعة من الجس وأخرى محفورة على الجدران الحجرية ويمتاز المحراب بزخرفة خاصة من الفسيفساء والآيات القرآنية التي سوف نشرحها في قسم لاحق إنشاء الله , أما القباب شيدت من سموات خشبية كل منها تختلف عن الأخرى وكذلك من القناتات التي ذكرنها سابقاً والتي نتج عنها حشوات هندسية الزخرفية التي ليست لها مثيل ويوجد تحتها ازار من الخشب المنقوش عليه آيات قرآنية كذلك استخدم الزجاج اللازوردي للتزين في المسجد , الشرفات أحد أهم العناصر الزخرفية القوية في المسجد إما تكونه من أشكال مثلثة مدرجة كأسنان المنشار في الجزء المسقوف من الجامع ولا ننسى التيجان المختلفة الأشكال في أرجاء الجامع والتي تحتوى على صور أوراق نباتات كثيرة بين الرسوم الهندسية ومن تلك الأوراق شوكة اليهود وبعضها الأخر على شكل ناقوس يزينها أوراق الزنبق وتذكر من يراها بزهرة اللوتس المصرية وأيضا الكوابيل المزخرفة والمركب عليها مقومات الأقواس وأما الجمال العام فكان لونين الأخضر والأحمر اللذان كان على جميع العقود في الجامع هذا قطرة من بحر زخرفة هذا الجامع الجليل …
المحراب :
على أن اجمل ما في المسجد هو المحراب إذ أقيمت على واجهته سبعة عقود ثلاثية الفصوص , مزججة دقيقة التكوين والزخرفة يعلوها إفريزان بين بحرين من الفسيفساء المذهب على ارض الزجاج اللازوردي وتحت هذه العقود إفريزان آخران وعلى رأسه رخامة مشبوكة محفورة منمقة تشبه القوقعة المقلوبة ونقُش المحراب من الداخل والخارج بالتوريقات , وزينت عضاداتة بلوحات رخامية حفرت فيها زخارف نباتية وتوريقات حفر غائر …….واليك قراءة هذه الكتابات ,
كتابة الإطار الخارجي لواجهة المحراب تبدأ من السطر الأول من اليمين من اسفل وتصعد ثم تسير من اليمين إلى اليسار ثم تنحدر إلى اسفل اليسار وكذلك السطر الثاني ,, الكلمات الأربعة الأولى من السطر ليست شيئاً مفهوماً أنها تقليد لهيئة الكتابة العربية لان الذين رمموا المسجد سنة 1816 م وجدوا أن الكتابة والزخرفة سقطتا من هذا الجزء فأكملوه بتقليد هيئات الحروف العربية حتى لا يبقى فراغاً وبعد ذلك تقرا الآية السادسة من سورة السجد … (( ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم )) …… ثم الآية 65 من سورة غافر وبقية السطر موفق المستنصر بالله عبد الله الحكم أمير المؤمنين أصلحه الله ثم تستمر الكتابة من أعلى إلى اسفل وبقية مطموسة …..
وعند قاعدتى القوس ( العقد ) على اليمين واليسار كابتان تتألف كل منهما من ثلاثة سطور ..
ونقوش الواجهة وكتاباتها محلاة بالفسيفساء , وهى المعروفة في اللغات الأوربية باسم موزايك أو موازيكو …… يصنعونها بان يقطعوا الحجر مكعبات صغيرة ضلع الواحد منها سنتيمتر أو اقل ثم يغمسوها في الألوان ازرق واحمر وذهبي واخضر ورمادي ووردي …… ويرسمون الرسم الذي يريدون على الموضع المراد رسماً خفيفاً بالفحم ثم يلصقون قطع الفسيفساء على خطوط الرسم وخلاله فتكتمل الصورة بهذه القطع … والألوان الغالبة عليها الأزرق العربي وهو ذلك الأزرق الصافي المتوسط العمق , وهو مشهور في عالم الألوان باسمهم ( بلوداربى) ثم الذهبي والأحمر …
ونفضي إلى داخل المحراب انه مقصورة صغيرة ذات أضلاع جدرانها مبطنة من اسفل بالرخام الأبيض ثم يلي ذلك عقود زخرفية صماء ثم إفريز محلى بالكتابة , يليه إفريز زخرفي صغير …
وفوق هذا أقام المعماري المبدع سقف المحراب جعله من قطعة واحدة من الحجر, هيأها على صورة المحارة مقمسة إلى فصوص زخرفية … والإفريز المكتوب يضم نص الآيتين 102- 103 من سورة آل عمران …
وكان المنبر عود مؤلف من الصندل الأحمر والأصفر والانبوس والمرجان واوصاله من فضة مثبتة
المئذنة:
أن تصميم المئذنة كان وثيق الصلة بتصميم مئذنة جامع القيروان والتي انبثق عنها تصميم مآذن الغرب الإسلامي كله والمئذنة التي ذُكر أنها شيدت لأول مرة بعد إتمام بناء المسجد الأول واغلب الظن كانت تحتل مكاناً إلى اليمين الذي وضع على محور المحراب وفي جدار الصحن المقابل القبلة ثم أعيد بناء مئذنة أخرى عند توسيع المسجد في نهاية القرن العاشر في عهد المنصور بن أبى عامر وكانت تحتل نفس المكان الأول والذي يشغله الآن برج الأجراس الحالي والذي شيد بعد تحويل المسجد إلى كنيسة بعد خروج الإسلام من الأندلس على يد الفرنجة المسيحيين …
تحويل المسجد إلى كنيسة :
عندما سقطت قرطبة في أيدي الفرنجة توقفت الصلاة في هذا المسجد العظيم ثم تقدم الفرنجة فأقاموا كنيسة في جزء منه وهذا الجزء يمثل حوالي عشر المساحة العظيمة التي يشغلها ولا يزال المسجد بجلالة وعظمته يطغى على ما في هذه الكنيسة من فن وزخارف فمن المعروف أن الفن المسيحي لا يتعدى صورا خرافية لملائكة تنشر أجنحتها ,وفتاة تمثل السيدة العذراء مع صورة طفل يمثل السيد المسيح وبحلول الذهب أن يغطى هذه الكائنات ولكن روعة الفن الإسلامي اجمل واعظم تأثيرا في نفوس المشاهدين
التغيرات التي جدت على المسجد الجامع :
وتعرض المسجد منذ القرن الخامس عشر للتشويه والتبديل منها :
1- ففي سنة 1371 م أقام ملك قشتالة دون انريك الثاني المصلى الملكي المعروف بمصلى سان فرتدو بجوار قبة الضوء وغطيت جدرانه بزخارف من عمل المدجنين محفورة في الجص .
2- وفي سنة 1489 م هدم الأسقف انييجو مانريكى العقود والأعمدة في البلاطات الخمسة الممتدة طولاً من مصلى فيلافسيوسا إلى جدار الجامع الغربي ..
3- وفي سنة 1523 م شرع الأسقف دون الونسوما مانريك في هدم جزء كبير من زيادة عبد الرحمن الأوسط والمنصور ليقيم كاتدرائية في قلب الجامع ولكن المجلس البلدي بقرطبة ونفرا من أعيان المدينة أنكروا ذلك ولم يرضوا به وعرض الأمر على شارلكان فوافق على هدم ما يلزم لبناء الكنيسة ولم يكن قد رأى الجامع فلما مر بقرطبة في سنة 1524 م بمناسبة زواجه في اشبيلة بدنيا ايزابيلا البرتغالية ورأى الجامع راعه ما رأى من حلال الفن وعظمة البنيان ثم توجه بالحديث إلى خراى خوان أسقف طليطلة وإلى أعضاء المجلس الكنسي وقال كلمته المشهورة : (( لو كنت قد علمت ما وصل إليه ذلك لما كنت قد سمحت بأن يمس البناء القديم لان ما بنيتموه موجود في كل مكان وما هدمتموه فريد في العالم ))
الصلاة من جديد في مسجد قرطبة :
خلال المؤتمر الإسلامي المسيحي الذي عقد بقرطبة تمت اتصالات ليقيم المسلمون شعائر صلاة الجمعة بهذا المسجد العظيم وقد نجحت هذه الاتصالات فسمحت السلطات الأسبانية للمسلمين أن يقيموا بهذا المسجد شعائر صلاة الجمعة يوم الثالث عشر من سبتمبر سنة 1973 م وعندما أذيع هذا الاتفاق توافد على قرطبة عدد من الطائرات من المغرب تحمل مجموعة من المسلمين الذين وفدوا لأداء الصلاة في هذا المسجد بهذه المناسبة التاريخية العظيمة كما حضر إلى قرطبة سفراء الدول الإسلامية بأسبانيا وكان موفقاً عاطفياً أن تؤدى الصلاة من جديد في هذا المسجد بعد أن توقفت به الصلاة حوالي ثمانية قرون ……
ما قيل عن المسجد :
في سنة 1765 م قرطبة سفير مغربي هو أحمد بن المهدي الغزال ليتحدث في تنظيم تبادل الأسرى بين المغرب وأسبانيا أن الحرب بين البلدين لم تسكن إلا بعد معاهدة استقلال المغرب في مطالع سنة 1956 م أطال السفير الوقوف بمسجد قرطبة الجامع ثم كتب بعد ذلك كتاباً لطيفاً عن رحلته اختص فيه المسجد ببضع صفحات وصف فيها الشعور الذي ملأ نفسه وهو بين يدي هذا الأثر العربي الجليل قال : (( وقد تخيل الفكر أن حيطان المسجد وسواريه تسلم وتهش إلينا من شدة ما وجدنا من الأسف حتى صرنا نخاطب الجمادات ونعانق كل سارية ونقبل سواري المسجد وجدرانه …………… ))
ويقول عنه الحميري انه الجامع (( المشهور أمره , الشائع ذكره مناجل مصانع الدنيا كبر مساحة , وإحكام صنعة وجمال هيئة وإتقان بنية تهمم به الخلفاء المروانيون فزادوا فيه زيادة بعد زيادة , وتتميما اثر تتميم حتى بلغ الغاية في الإتقان فصار يحار فيه الطرف ويعجز عن حسنه الوصف فليس في مساجد المسلمين تنميقاً وطولاً وعرضاً ))
ويقول عنه الشريف الادريسي في كتابه (( نزهة المشتاق في اختراق الآفاق )) (( وفيها المسجد الجامع الذي ليس بمساجد المسلمين مثله بنية وتنميقاً وطولاً وعرضاً ))
ولما شاور الخليفة الحكم المستنصر العلماء في رغبته في تصحيح اتجاه القبلة نحو الشرق عندما شرع في النظر زيادته الكبرى بالجامع كما فعل أبوه النصر في قبلة جامع الزهراء قال له الفقيه أبو إبراهيم (( يا أمير المؤمنين , انه قد صلى إلى هذه القبلة خيار هذه الأمة من أجدادك الأئمة , وصلحاء المسلمين وعلمائهم منذ افتتحت الأندلس إلى هذا الوقت , متأسين بأول من نصبها من التابعين كموسى بن نصير وحنش الصنعاني وأمثالهم رحمهم الله تعالى , وإنما فضل من فضل بالاتباع وهلك من هلك بالابتداع فأخذ الخليفة برأيه وقال : نعم ما قلت ! وإنما مذهبنا الاتباع …
هكذا اصبح يضرب بهذا المسجد الجامع المثل في العظمة والاتساع وفي كثرة الزخارف والجمال وقد بالغ مؤرخو العرب في المغرب والأندلس في وصفهم له فصوروه تصويراً اقرب إلى الخيال , واختصوه بعنايتهم وعظموه أجلوه , وكتبوا في تاريخه ووصفه فصولاً طوالاً …… تعد من أهم المصادر غن هذا الأثر الخالد الجليل ..