الدولة الحفصية من النشوء الى نهاية حكم المستنصر بالله - القسم الاول

الدولة الحفصية من النشوء حتى نهاية حكم المستنصر

(1228-1277)

الدكتور أنيس القيسي

القسم الأول

أولا: انهيار الدولة الموحدية ونشوء الدولة الحفصية

لمحة عامة
إن المنطقة الجغرافية التي تطلق عليها المصادر العربية في العصر الوسيط تسمية (إفريقية) تطابق بشكل عام كلا من تونس الحالية ومنطقة قسنطينة في الجهة الغربية.

وسبق لهذه المنطقة أن اعتنقت الإسلام بشكل تام خلال خمسة قرون سبقت مجئ الحفصيين، وشهدت أزهى عصورها منذ بداية القرن التاسع حتى منتصف القرن الحادي عشر الميلاديين، فتحولت إلى دولة مستقلة استقلالا فعليا ولكنها بقيت معترفة بالسيادة العباسية، ثم أصبحت مقرا للفاطميين. وكانت إفريقية، بفضل عاصمتيها القيروان والمهدية، تحتل مكانة مرموقة بين دول البحر المتوسط. وكان ابرز ما يميز الثقافة الإفريقية التأثير الشرقي. ولكن في منتصف القرن الحادي عشر انفصلت إفريقية عن الشرق واتخذت طابعا ثقافيا خاصا بها هو الثقافة المتوسطية.

ولكن في الوقت الذي قطعت فيه علاقتها مع الشرق حدثت الغزوة التي قام بها الأعراب من بني هلال وبني سُليم القادمين من الصعيد المصري، والتي عملت على استكمال تعريب اكبر جزء من البلاد.

وفي منتصف القرن الثاني عشر الميلادي حدثت الغزوة الموحدية على إفريقية بقيادة عبد المؤمن بن علي وابنه محمد خلال حملتين عسكريتين بين سنتي 1125 (وأدت إلى إلحاق دويلة بني حماد بالدولة الموحدية)، و سنة 1159-1160 (وأدت إلى امتداد النفوذ الموحدي إلى تونس وطرابلس الغرب، ووضع كامل شمالي أفريقيا تحت سلطة ملكية واحدة.

عهد عبد المؤمن بن علي الموحدي (1152-1163)
كان أهم عمل قام به عبد المؤمن بن علي الموحدي استكمال تحرير إفريقية من الغزو النورماندي، وقضائه على بقايا الطوائف المسيحية التي كانت موجودة في البلاد وتسليطه أبشع وسائل القمع على غالبية الطوائف اليهودية. وفي عهده أصبحت إفريقية، التي اُلحقت بسلطة الموحدين، تتكون من ولايتين منفصلتين:
1) دولة بني حماد (حتى مدينة الجزائر غربا وعاصمتها بجاية).
2) دولة بني زيري (وعاصمتها تونس التي حلت محل المهدية).

وبعد مدة من إلحاق بجاية، قام عبد المؤمن بتوزيع الولايات على أبنائه، فعهد بحكم الولاية الجديدة إلى ابنه محمد بن عبد الله.

وعندما دخلت إفريقية (تونس) تحت سلطة الموحدين تحسن الوضع فيها تحسنا ملحوظا. وتشير معظم الإشارات التاريخية إلى انتعاش الحياة الاقتصادية والثقافية التي كانت قد شهدت تدهورا كبيرا قبل قرن من ذلك التاريخ.

إلا إن توحيد البلاد، الذي كان عاملا من عوامل السلم، لم يبدأ إلا بشكل جزئي، إذ سرعان ما تجددت الاضطرابات التي هدأت في بعض المدن والقبائل، لتعرّض ذلك الازدهار للخطر. ويعود السبب في ذلك إلى بعد المسافة بين مراكش عاصمة الموحدين وبين إفريقية. يضاف إلى ذلك، إن الأعراب (البدو) كانوا ينتظرون الفرصة المؤاتية للتمرد من جديد. أما الدول الأجنبية فكان قليل من الإثارة كفيل بتدخلها، ومن ثم عودة الفوضى والاضطراب من جديد.

عهد يوسف بن عبد المؤمن وولده المنصور (حملة قراقوش وثورة بني غانية)
اخذ البناء الهش الذي أحدثته الغزوة الموحدية بالتزعزع منذ عهد أبي يوسف يعقوب (1163-1184)، ابن عبد المؤمن وخليفته. وعندما ثار أهل قفصة استنجدوا به ليكون على رأس الثورة بعد أن فتكوا بوالي المدينة الموحدي. ولم تستطع الحملة العسكرية الأولى المنطلقة من بجاية من إخماد تلك الثورة إلا بعد أن تدخل الخليفة (أبو يوسف) وحاصر قفصة وتمكن من إخضاع الثائرين. وبهذا تم إبعاد خطر الإمارات المحلية السابقة، ولكن حلت محلها تهديدات أخرى اشد خطورة. فما هي هذه التهديدات؟

شهد أواخر عهد يوسف وبداية خلافة ابنه (أبي يوسف يعقوب المنصور) (1184-1198) محاولتين خارجيتين موجهتين ضد إفريقية، وهما حملة قراقوش وحملة علي بن اسحق بن غانية. وكانت الفرصة مؤاتية لهما حينذاك بعد انهزام الموحدين في غربي الأندلس.

حملة قراقوش
كان الارمني قراقوش، مملوك صلاح الدين، يقوم بعمليات حربية على رأس جيش من التركمان (الاغز) على حدود إفريقية الجنوبية. وقد تمكن، بمساعدة أعراب المنطقة، من احتلال شرقي البلاد الطرابلسية أولا وجنوبها، فتشجع للاستيلاء على طرابلس نفسها. ومما ساعده في ذلك إن الوضع السياسي العام في الدولة الموحدية يسمح له القيام بمثل هذا العمل الجرئ.

حملة علي بن اسحق بن غانية
ولكن العملية الأسرع والاجرأ تمثلت في قيام أمير مايورقا علي بن اسحق بن غانية بإنزال الجيوش أمام أبواب بجاية والاستيلاء عليها بسرعة في تشرين الثاني 1184، ومن ثم التقدم منها نحو بقية المدن، فتمكن من السيطرة على كل من الجزائر ومليانة وقلعة بني حماد. وهكذا فإن إفريقية التي سبق أن اقتُطع منها القسم الجنوبي بحملة قراقوش، فقدت قسما آخر في الغرب وأصبحت مفصولة عن المغرب الأقصى.

ولكن هذه المغامرة لم تستمر طويلا، فقد فشل علي بن اسحق أمام مدينة قسنطينة في مايس 1185، مما اضطره للاندفاع جنوبا، فدخل مدينة قفصة. ومن هناك بدأ بنو غانية يعملون طوال سنوات ضد سلطة الموحدين. وليس الغرض هنا تفصيل مراحل الصراع المستميت بين الموحدين وبني غانية. ولكننا، قبل الحديث عن ارتقاء الحفصيين إلى الحكم، سنشير باختصار إلى المرحلتين اللاحقتين من مراحل تطور هذا النزاع.
· المرحلة الأولى: شهدت استيلاء كل من علي بن اسحق وقراقوش على الجنوب والجنوب الشرقي من إفريقية، حتى قدوم المنصور.
· المرحلة الثانية: شهدت تفاقم نفوذ يحيى شقيق علي، وأدت إلى حملة الناصر ذات النتائج بالغة الأثر.

يتبع..............

رووووووعــــــــــــــة

جزاكي الله كل خير ملكه

شكرا ملكه على المعلومات القيمه والاستفاده الكبيره

» المستنصر بالله الفاطمي.. بين أمه والمجاعة
» الحضارة المصرية من عصور ماقبل التاريخ حتى نهاية الدولة القديمة د/ سيريل ألدريد
» الكتاب الاول كتاب علم الاثار وهذا الكتاب يعد المرجع الاول في علم الاثار
» قوانيين القسم
» المعتصم بالله