تمكين المرأة فى المجتمع القديم

تمكين المرأة في المجتمع المصري القديم

يتكرر الحديث بين الحين والآخر عن تمكين المرأة في مصر في مجالات لم تكن متاحة لها من قبل‏,‏ سواء أكان الموقع الذي تحصل عليه إداريا أم قضائيا أم متصلا بالهيكل الدستوري للدولة أو غير ذلك‏,‏ وربما يكون من قبيل التعرف علي كياننا بالشكل المطلوب أن نتوقف لحظة نلقي من خلالها نظرة علي ماضينا‏,‏ لنتذكر ما كان عليه الأمر في هذا الصدد‏.‏ Smile

وأسارع هنا فأقول إني لن أخوض في تعديد المواقع التي شغلتها المرأة في مجتمعنا القديم‏,‏ والتي وصلت إلي تولي الملك أربع مرات علي الأقل‏,‏ فقد قام بهذا الأمر حتي الآن عدد من المتخصصين الذين وفوه حقه العلمي في اقتدار ملحوظ‏..‏ وإنما سيدور حديثي حول القيمةالتي كان يمثلها وضع المرأة كأحد أفراد الأسرة في المجتمع المصري آنذاك‏,‏ من حيث إن هذا الوضع يشكل القاعدة الحقيقية التي يقوم علي أساسها أي تمكين للمرأة‏.‏ Embarassed

وقد يكون من الصواب أن أبدأ هذا الحديث بإشارة سريعة إلي ما كان قائما‏,‏ فيما يخص هذه القضية‏,‏ لدي اثنين من المجتمعات القديمة التي خطت خطوات واسعة ومتميزة علي درب التحضر حتي نستطيع أن نتبين ـ في ضوء المقارنة ـ حقيقة ما كنا عليه في هذا الأمر‏,‏ وليكن أحد هذين المجتمعين هو المجتمع اليوناني‏.‏ وهنا نجد أحد كبار الخطباء والسياسيين‏,‏ وهو ديموسثنيس‏,‏ يتحدث في القرن الرابع ق‏.‏ م عن المرأة اليونانية فيقول‏:‏ إن لنا محظيات يجلبن لنا السرور‏,‏ وبنات هوي يقدمن لنا متعة الجسد‏,‏ وأخيرا فإن لنا زوجات ينجبن لنا الأبناء‏,‏ ويعتنين بشئون بيوتنا‏.‏

فإذا انتقلنا إلي المجتمع الآخر‏,‏ وليكن المجتمع الروماني‏,‏ وجدنا لرب الأسرة‏,‏ بحكم القانون‏,‏ حق السلطة الأبوية علي كل أفراد الأسرة بمن فيهم الزوجة‏,‏ وبما في ذلك حق الحياة والموت‏.‏ Laughing

كذلك لم يكن للزوجة أن تمتلك أي شيء دون موافقته‏,‏ كما لم يكن للابنة أن تتزوج دون هذه الموافقة‏,‏ فإذا تزوجت الابنة يصبح عليها لزوجها نفس الحقوق بوصفه ربا للأسرة الجديدة ـ وهو قانون كان لايزال ساريا حتي أواخر القرن السادس ق‏.‏ م‏.‏
ونصل إلي المجتمع المصري القديم حيث نجد وضع المرأة يختلف عن المجتمعين المذكورين في شتي المراحل التي يمر بها‏,‏ ففيما يخص نظرة الشاب إلي ما يتوقعه من الفتاة التي يود الاقتران بها‏,‏ نجد أنه لا يكتفي بجمال ملامحها وقدها‏,‏ وإنما يقرن بذلك ما ينتظر أن تتمتع به من شخصية إيجابية ومتزنة ومتفتحة في الوقت ذاته ـ وهو أمر نتعرف عليه من قصيدة ترجع إلي ما قبل القرن العشرين ق‏.‏ م‏,‏ حيث يرد فيها علي لسان الشاب‏:‏ ذات الفضائل الساطعة والبشرة الناصعة‏..‏ ذات النظرة الصريحة والشفاه التي تنطق في عذوبة فلا تخرج من بينها كلمة واحدة تجاوز المطلوب‏(‏ وبعد أن يصف بالتفصيل جمال قدها‏)‏ يقول‏:‏ إنها نبيلة الخطو حين تمس قدماها الأرض‏..‏ إنها تغمر بالسعادة كل من تلقي إليه بالتحية‏.‏ Wink

أما عن تقدير المجتمع المصري للمرأة كزوجة‏,‏ فإنه يبدو واضحا بأكثر من طريقة‏,‏ فهي ربة البيت‏,‏ وهذه صفة لم تكن للتبجيل الإسمي فحسب‏,‏ بل كانت تجسد موقعها الفعلي في بيت الزوجية‏,‏ واحترام دورها في إدارة هذا البيت ـ وهو أمر يؤكده الحكيم المصري آني قبل القرن الرابع عشر ق‏.‏ م‏,‏ حين يقول موجها حديثه إلي الزوج‏:‏ لا تضايق الزوجة في بيتها‏..‏ طالما أنها تؤدي دورها بكفاءة‏..‏ لا تقل لها أين وضعت هذا الشيء‏,‏ أحضريه لنا‏,‏ طالما أنها وضعته في مكانه الصحيح‏..‏ أنت تعرف قيمة زوجتك وسعادتكما حين تكون يدك بجوارها‏..‏ كل زوج ينبغي أن يتحلي بضبط النفس‏(‏ وهو يعامل زوجته‏).‏

علي أن الأمر هنا لم يكن مجرد حب وتقدير من جانب الزوج‏,‏ وإنما كان في حقيقته اندماجا أو نوعا من التوحد بين الزوج والزوجة يجمع بين الحب المتبادل والعمل المتكامل‏..‏ وهنا نجد نصا في دير المدينة‏(‏ علي الضفة الغربية للنيل في مواجهة الأقصر‏)‏ يتضمن رسالة من رجل إلي روح زوجته المتوفاة‏,‏ منقوشة علي حجر عند قاعدة مقبرتها يقول فيه‏:‏ أيتها الجميلة بلا نظير‏..‏ أنت التي كانت تعيد الماشية إلي البيت‏,‏ وتعني بحقولنا‏,‏ ويقع علي كاهلها كل ما هو شاق دون أن تطلب المساعدة‏,‏ آه يا ذات السحر والجمال‏.‏ كما تؤكد هذا المعني وثيقة بردية موجودة بالمتحف المصري بالقاهرة ترجع إلي نحو ألف عام ق‏.‏ م‏,‏ تظهر عليها صورتان لامرأة تشارك زوجها عمله بالحقل‏,‏ مرة في موسم الحرث والبذر‏,‏ وأخري في موسم الحصاد‏.‏
وتبقي في نهاية الحديث كلمة عن المرأة بوصفها أما‏,‏ ذكرها الحكيم آني ضمن نصائحه‏,‏ وفيها يحث الابن الذي أصبح شابا واتخذ له زوجة وانتقل إلي بيت الزوجية‏,‏ علي ألا ينسي أمه‏.‏ وفي معرض الحديث يذكر الحكيم هذا الابن ببعض أفضال أمه عليه حين يقول‏:‏ لقد أرسلتك إلي المدرسة‏..‏ وهكذا نعرف أن هذا الأمر كان من دور الأم‏,‏ كذلك نعرف من قصيدة ترجع إلي أكثر من عشرين قرنا ق‏.‏ م أن زواج الابن أو الابنة كان يدخل ضمن هموم الأم‏,‏ وذلك حين نستمع إلي شابة‏(‏ في إشارة إلي من تود الاقتران به‏)‏ وهي تقول‏:‏ كم أود أن يرسل‏(‏ أمه‏)‏ إلي أمي‏..‏ ياليتك تكون من نصيبي‏.‏ bounce