اوراق مهملة في تاريخ النوبة الوسيط (4)

اوراق مهملة في تاريخ النوبة الوسيط (4)

حول علاقة ممالك ومشيخات المقرة
بالسلطنة الزرقاء

فضلا عما اوردته سابقا من رأي حول علاقة مشيخات وممالك المقرة بدولة الفونج ، يتضح من سياق الأحداث، أن كافة الممالك والمشيخات التي توزعت إرث مملكة المقرة ، كانت قائمة وموجوده ، ومملكة علوة لا تزال تحت تاج ملوكها النوبيين ، أي أن وجودها كان سابقا لظهور دولة الفونج .
ولما كانت علاقة هذه الممالك والمشيخات الي حد ما يسودها الإحترام المتبادل مع مملكة الفونج ، يثور سؤال ما إن كان لهم دور في الثورة التي قادها المستعربون ضد ملك سوبا ، وإن وجد فما هو ؟
ولعلي لو عدت لتقصي العلاقات بين مملكتي علوة والمقرة منذ عهودهما المسيحية ، لوجدت أن مدرسة التبشير المسيحية كانت منقسمة علي نفسها في روما نفسها ، حيث اعتنق إمبراطورها تعاليم المذهب الملكي ، واعتنقت زوجته الملكة تيودورا تعاليم المذهب اليعقوبي ، وقد تشارك الإثنان في إرسال بعثات لمملكتي النوبة ، فدانت علوة بالمذهب الملكي ودانت المقرة بالمذهب اليعقوبي .
كان من الآثار السالبة لهذا الإختلاف المذهبي ، أن اودى بأسس التقارب والتلاحم بين المملكتين وباعد بينهما ، فلم تعد أي منهما معنية بمصير الأخرى عند تعرضها لأي مشاكل او إضطرابات ، سواء كان ذلك بفضل تنافس أمرائها او بسبب الغزاة اوالتنازع مع جموع المهاجرين اليها .
ليس هذا فحسب ـ بل عندما كان ملوك المقرة في العهد المسيحي وكذلك بعد تحولها الي إمارة إسلامية ، يتعرضون للغزو والتدخل السافر من قبل حكام مصر في شؤونهم الخاصة ، لم يجدوا العون والمساندة من ملوك علوة ، بل كان تعاملهم مع ملوك المقرة عندما يلجؤن إليهم فرارا من الحملات المملوكية سيئا للغاية ، ونجد فيما وثقته كتب التأريخ تسليم ملك علوة لملك المقرة داؤد عنما لجأ إليه هاربا من الغزو المملوكي في عهد السلطان الظاهر بيبرس في العام 1272م.
فإن كانت العلاقات بين المملكتين يسودها سوء التفاهم منذ العهود المسيحية ، فمن باب أولى أن تصل الي الحضيض بعد جلوس ملوك مسلمين على المقرة ، ربما لهذا خلت مصادر التأريخ عن أية أحداث يمكن حسابها إيجابيا لمصلحة حسن الجوار بين المملكتين ، ماعدا واقعة يتيمة روتها كتب التاريخ ، وذلك عندما أطلق سلطان المماليك سراح ملك النوبة ( كرنبس ) نكاية في ( كنز الدولة ) وحثه على استرداد عرشه منه ، فلجأ كنزالدولة الى علوة ثم عاد منها واسترد العرش من خاله ( كرنبس ) .
ويلاحظ أنه الى أن تحولت المقرة الي إمارة إسلامية ، ثم تفتت الي دويلات بسبب تنازع أمرائها من جهة، وضغوط المماليك والقبائل العربية المهاجرة اليها من جهة أخرى ، لم يقدم ملوك علوة أي عون او مساعدة لإستقرار الوضع في المقرة ، وتركوها وحدها تحسم أمرها.
لكل ما سلف ـ أعتقد أن مهاجمة مملكة علوة من قبل المستعربين ، لم تجد من يقف ضدها او يعترض عليها من حكام المقرة بعد أن غدت فوق ذلك إمارة إسلامية .
ولكن بالرجوع لواقعة سقوط سوبا المختلف عليها بين المؤرخين والرواة ، نجد تضادا في آرائهم حول أطراف الحلف الذي أسقط علوة ، فريق منهم يعزي واقعة السقوط لحلف ثلاثي يجمع الفونج والعبدلاب والمشيخات العربية الأخرى ، وفريق ثاني يعزي واقعة السقوط لحلف ثنائي بين الفونج والعبدلاب وحدهم ، وفريق ثالث ـ ولعله الأحدث ـ يعزي الواقعة لحلف بين العبدلاب والمشيخات المستعربة الأخرى دون الفونج ، من رواده المؤرخ الشاطر بصيلي والدكتور يوسف فضل .
دون الولوج في تفاصيل تلك الآراء المتباينة ، فإن أحداث التاريخ تثبت أن مملكة علوة كانت قد تعرضت لضغوط وإختراقات واسعة من قبل مجموعات عربية تجمعت داخلها وحولها قبل سقوطها ، كما دانت مملكة المقرة بعد تفتتها للمستعربين النوبة .
إذا فإن إحتمالات التحالف والتنسيق بين المجموعات المستعربة التي قطنت علوة والمشيخات النوبية المستعربة في المقرة بغية إسقاط سوبا ليس مستبعدا .
لقد لفت نظري ووقفت مليا عند الرأي الذي توصل إليه المؤرخ الشاطر بصيلي عبد الجليل في هذا الصدد ، حيث قال :
( .. لا نعلم على وجه التحديد الأسس التى قام عليها الحلف بين مختلف المجموعات القبلية والزعامات المركزية في سنار ، والثابت أن الحلف قد تدرج بصورة متعدده ، لم يلبث أن أخذ صورته النهائية في السنوات الأخيرة من القرن الخامس عشر الميلادي ، بقيام حلف من المشيخات والشيخ عبد الله جماع ، بوصفه أقوى الزعماء المحليين في تلك الفترة من الزمن ، والذي دخل بدوره في حلف مع السلطان عميرة ..) إنتهى .
بمقارنة هذا الرأي مع ما توصل إلية الأستاذ الطيب محمد الطيب في بحث حديث اودعه كتابه المعنون ( المسيد ) ، قال فيه أنه في عهد الأمير ( مسمار بن سرار ) أحد امراء المجموعة الجعلية ، أضحت المجموعة ذات قوة ومنعة ، وزادت عددا وعدة ، الأمر الذي دفع أميرها للإنتقال بها الي اواسط السودان على ضفاف النيل الأبيض ، ومضى في داره الجديد يجمع كلمة القبائل ويحرضهم على أخذ البلاد من العنج ، وقد نجح بفضل مثابرته في جمع كلمتهم ، ولكن لم تمهله المنية ليتوج جهده ، فتوفى دون تحقيق هدفه .
ولعل في هذا الحديث ما يدعم رؤية الشاطر بصيلي ، حول مرور الحلف بمراحل متدرجة حتى بلغ كماله تحت قيادة الشيخ عبد الله جماع ، كما لا يستبعد خلافة الشيخ عبد الله جماع زعيم جهينة ، للأمير (مسمار ) بعد وفاته ، وتقلده زعامة القبائل التى عمل على جمع كلمتها الأمير مسمار لحرب سوبا والمضي بها قدما الي أن تحقق الهدف .
ولعلي أجد من أقوى الأدلة الداعمة لهذه الرؤية الحديثة ، ما جاء في مخطوطة تاريخ العبدلاب ، وكتاب الأستاذ محمد صالح محي الدين ( مشيخة العبدلاب ) ، مبينا فيه أن الشيخ عبد الله جماع زعيم جهينة ، بما أوتي من رأي سديد وغيرة دينية ، أفلح في استمالة القبائل المجاورة لداره ، وأخذ منها يمين ولاء وبيعة لحرب العنج .
وغني عن القول أن مشيخات وقبائل المستعربين النوبة في بلاد المقرة ، وإن لم يسموها ـ تعد من الأقرب جيرة لدار العبدلاب ، وفي البال علاقتهم السالفة ، عندما صاهر زعيم جهينة الكنوز وصار لولده الحق في عرش دنقلا كما أسلفت ، ثم هجروا الحكم بسبب طبيعتهم البدوية ، ورحلوا الي وسط السوان .
لذا يصبح القول بمشاركة المشيخات والممالك النوبية المستعربة ببلاد المقرة في ذلك الحلف راجحا، وأنها أوفت بيعتها ويمين ولائها بإنجاز الحرب وسقوط سوبا ، وعادت تستمتع باستقلالها بعد تسليم سوبا للشيخ عبد الله جماع ، الذي دخل بدوره في حلف مع سلطان الفونج ـ كما قال الشاطر بصيلي ـ وأسسا معا السلطنة الزرقاء.
إستنادا على ذلك فإن ممالك ومشيخات دنقلا ، لم تكن شريكة في التحالف الأخير بين الشيخ عبد الله جماع والسلطان عميرة ، والذي بموجبه تأسست السلطنة الزرقاء ، غير أن مشاركتهم في الحرب التي أسقطت سوبا ، كان العامل الرئيسي في توطييد علاقتهم بالسلطنة الزرقاء ، وهذه رؤية تدعم ما انتهي اليه ( نكولز ) حول عدم تبعية ممالك ومشيخات ولاية دنقلا للفونج والعبدلاب ، وكان ذلك سببا في اتسام علاقتهم بحسن الجوار طوال سنين السلطنة الأولى .

جزاك الله كل خير

نورتى

شكرا وفاء على مروريك

نورتى

زائر

ررررررررررراائـــــــــــــــــــــــــــع

funnyegyption

» مدونة للكتب الأجنبية فى التاريخ الوسيط
» العصر الحجري الوسيط
» مؤرخين مصر فى العصر الوسيط
» حمل الان كتب عن جميع مراحل التاريخ الوسيط
» الاسماعيليون في العصر الوسيط تاريخهم وفكرهم