آداب دمنهور
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

آداب دمنهور


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الحياة العلمية في مصر والشام

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
historical
Administrator
Administrator
historical


الدولة : مصر
المحافظة : البحيرة
المدينة : فى قلب الحدث
الجامعة : الإسكندريه فرع دمنهور
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
قسم : التاريخ
الشعبة : عامه
عدد المساهمات : 2499
العمر : 37
الجنس : ذكر

الحياة العلمية في مصر والشام Empty
مُساهمةموضوع: الحياة العلمية في مصر والشام   الحياة العلمية في مصر والشام Icon_minitimeالخميس 10 سبتمبر 2009, 14:25


الحياة العلمية في مصر والشام

في سنة 521هـ ، تولى عماد الدين زنكي بن آق سنقر إمارة الموصل من قبل السلطان السلجوقي الذي كانت له الكلمة العليا في البلاد التي تعترف بخلافة العباسيين ، وبدأت بولاية زنكي على الموصل حركة إحياء سياسي واجتماعي وثقافي ، في مناطق الجزيرة العراقية والشام التي كانت حتى ذلك التاريخ مفككة الأوصال مشتتة الكلمة ، ثم لم تلبث هذه الحركة الإحيائية أن انتقلت إلى مصر عقب سقوط الدولة الفاطمية ، سنة 564هـ ، أمام جيوش السلطان نور الدين محمود بن زنكي ، واستمرت هذه الحركة على نشاطها في البلدين المتحدين منذ ذلك التاريخ حتى سقوط الدولة الأيوبية في مصر ، سنة 648هـ ، لتخلفها دولة المماليك البحرية التي بدأت عهداً جديداً من الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية يختلف في بعض مظاهره عن العصر الأيوبي ويتفق معه في بعض آخر.

ومن ثم كان تحديد بحثنا عن الحياة العلمية في مصر والشام مرتبطا بهذين التاريخين : 512 – 648 هـ ، أي شاملا للعصر الذي يبدأ بولاية عماد الدين زنكي إمارة الموصل وينتهي بسقوط الدولة الأيوبية في مصر.

وقد شهدت هذه الحقبة التي تتحدث عنها تغيرات رئيسية هامة ، كان من بينها سلسلة الحروب التي دارت رحاها – في معظم مراحلها – بمصر والشام وهي الحروب التي عرفت في التاريخ باسم الحروب الصليبية كما كان منها تلك الانقلابات السياسية والثقافية التي شهدتها هاتان المنطقتان نتيجة لتدهور سلطان الفاطميين الإسماعيليين وانتعاش النفوذ السني في ظل حكم السلاجقة وأتباعهم بالشام ، ثم في ظل الأيوبيين في مصر والشام جميعاً.

وقد جاهد زنكي منذ تولى شئون الموصل لوضع حد للخلافات السياسية الإقطاعية التي مزقت الشام والجزيرة العراقية ، فنجح بحروبه المتتابعة في إيجاد نوع من الاتحاد شمل جزءاً كبيراً من هذه البلاد وأخضعها لسلطانه ، ثم جاء بعده ابنه نور الدين محمود ، 541 هـ ، فبدأ من حيث انتهى أبوه ، ونجح في توحيد الشام والجزيرة جميعاً باستثناء المناطق التي كانت في أيدي الصليبيين (1) ، ثم مد نفوذه إلى مصر حيث نجح قائده أسد الدين شيركوه ، عم صلاح الدين الأيوبي بعد محاولات ثلاث ، في إخضاعها لسلطانه ، وفي مصر ، بعد وفاة شيركوه ظهر صلاح الدين وزيراً للعاضد الخليفة الفاطمي الشيعي وقائداً لجيوش صاحب الشام نور الدين محمود السلطان السني ، ثم لم تلبث الخلافة الفاطمية أن انهارت ، فزال بانهيارها آخر ظل للنشاط الإسماعيلي عن مصر ، واصطبغت البلاد منذئذ بالصبغة السنية في مذهبها الديني وفي نظامها السياسي.
لكن الوحدة التي نجح هؤلاء الرجال الثلاثة في تحقيقها بين مصر والشام لم تسلم من الأخطار التي تهددتها في شكل الحملات الصليبية المتتابعة لتأكيد سلطان أوروبا على الأراضي المقدسة وللقضاء على قوة مصر التي حملت العبء الأكبر في مقاومة هذه الحملات الصليبية ، وكان لاتحاد القوى في مصر والشام ، برغم بعض المنازعات الداخلية ، فضل كبير في فشل هذه الحملات التي لم تحقق من أهدافها عندئذ إلا القليل.

وفي حديثنا عن الحياة العلمية في هذه الحقبة يحسن أن نبدأ بما ذكره ابن جبير في (الرحلة) من أنه رأى في دمشق وحدها ، أثناء زيارته لها نحو ، عشرين مدرسة ، كما رأى في حلب خمس مدارس (2) . ويذكر ابن الشحنة في كتابه " الدر المنتخب " من مدارس حلب عدداً جاوز الخمسين ، أنشئت جميعاً بين سنتي 516 ، 665 ، ودمشق وحلب العاصمتان الرئيسيتان للشام في هذه الحقبة من التاريخ ، وهذان المثلان يكفيان في الدلالة على مدى الاهتمام بالإحياء العلمي في هذا العصر الذي نتحدث عنه ، غير أنه يحسن أن تضيف إلى هذا أن عدداً كبيراً من الزوايا والمساجد كان يؤدي وظيفة المدرسة في هذا العصر على نطاق واسع أيضاً (3).

وقد أنشئت أول مدرسة في دمشق في عهد الأتابك (طغتكين) الذي تولى إمارتها سنة 497هـ لكن دمشق لم تفز بالشهرة الفائقة التي اكتسبتها في ميدان النشاط العلمي إلا منذ عهد السلطان نور الدين محمود الذي اتخذها عاصمة لملكه سنة 549 هـ . ولعل السر في هذا أن المدة التي انقضت بين تأسيس أول مدرسة بدمشق واستيلاء نور الدين عليها ، حفلت بالنزاع المتصل بين أمراء المسلمين بالشام ، أو بينهم وبين الفرنج والصليبين ؛ وهو النزاع المرير الذي لم يدع فرصة لأي إصلاح علمي أو اجتماعي ، رغم توفر النية لدى بعض الأمراء.

والمدرسة كمركز للنشاط العلمي السني تدين بوجودها لأسرة السلاجقة ، ومن المسلم به أن المدرسة ظهرت في صور مختلفة قبل ظهور السلاجقة بزمن في منطقة خراسان ، وفي غيرها من الأقاليم الشرقية بصفة عامة (4) ، إلا أن أول من أنشأ المدرسة بنظامها الكامل الذي عرفت به في بلاد العراق والشام ومصر كان نظام الملك وزير السلاجقة المتوفى سنة 485 هـ ، وهو مؤسس المدارس النظامية المعروفة (5) . وقد ذكرنا من قبل أن أول مدرسة أنشئت في دمشق سنة 497هـ (6).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
historical
Administrator
Administrator
historical


الدولة : مصر
المحافظة : البحيرة
المدينة : فى قلب الحدث
الجامعة : الإسكندريه فرع دمنهور
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
قسم : التاريخ
الشعبة : عامه
عدد المساهمات : 2499
العمر : 37
الجنس : ذكر

الحياة العلمية في مصر والشام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحياة العلمية في مصر والشام   الحياة العلمية في مصر والشام Icon_minitimeالخميس 10 سبتمبر 2009, 14:26

ولم يكن ظهور المدارس في مصر والشام بهذه الكثرة الملحوظة في العصر الذي نتحدث عنه إلا مظهراً من مظاهر رد الفعل لتدهور الدعاية الشيعية الإسماعيلية التي فقدت سيطرتها أولا في بلاد الشام ، لانحسار سلطة الفاطميين عنها ، ثم انهارت أخيراً في مصر بعد سقوط الخلافة الفاطمية أمام جيوش الفتح النوري ، ثم من بعده بجهود صلاح الدين.
والاستعراض التفصيلي للمواد التي كانت تدرس في هذه المدارس خير دليل على صحة هذه الدعوى التي ذهبنا إليها.
ذلك أن مواد الدراسة في هذه الحقبة كانت تختلف من مدرسة إلى أخرى تبعاً لاختلاف أعمار الطلاب ولاختلاف المذاهب التي أنشئت من أجلها ، ولكنها مع هذا كانت تتفق جميعاً في أمر واحد هو تجنب الدراسة الفلسفية والمنطقية ، ولعل ذلك يرجع إلى أن المذهب الشيعي الإسماعيلي بصفة خاصة كان يعتمد في دعايته ، السرية والعلنية إلى جانب العاطفة الروحية ، على الجدل المنطقي وعلى الأسس الفلسفية والرياضية إلى حد كبير ، وبهذا كانت المواد التي تدرس في معظم مدارس الشام ومصر في هذا العصر الذي تتعرض له تتركز حول القرآن والحديث والمذاهب الفقهية الرئيسية الأربعة ، وكان اختلاف هذه المذاهب في بعض المسائل الفرعية سببا في تجميع هذه المسائل الخلافية في دراسات خاصة ، عرفت باسم (علم الخلاف) وقد برع فيها كثير من علماء هذا العصر ، وبخاصة من علماء الشافعية.
وفي (رحلة) ابن جبير ، وفي غيرها ، نجد حديثاً عن المدارس التي أنشئت للصبيان خاصة ، ويسميها ابن جبير أحيانا بالمكاتب ، وهدف هذه المدارس أن يحفظ بها الصبيان القرآن الكريم تلقينا ؛ أما القراءة والكتابة فكانت تعلم للصبيان في دراسة الشعر والأدب التي كانت تعتبر في هذه المرحلة مواد مساعدة ، وإنما كان القرآن يعلم تلقينا صيانة له عن التحريف والتصحيف ، وكانت المساجد ، كما يقول ابن جبير ، مكاناً آخر لتعليم القرآن لهؤلاء الصبيان الذين كانوا يفدون إلى المساجد لهذا الغرض ، وكان لهؤلاء التلاميذ ، ولمقرئيهم مرتبات خاصة يستحقونها في مقابل تدريس القرآن ودراسته (7).
وكانت دراسة القراءات المختلفة للقرآن تأتي في المرحلة التالية من الأهمية بالنسبة لحفظه ؛ حتى إن كثيراً من العلماء اشتهروا بين رجال هذا العصر بإتقانهم لها ، ومن هؤلاء علم الدين السخاوي ( المتوفى سنة 643) الذي اشتهر بها حتى كان الناس يجتمعون حوله ليقرءوا القرآن عليه بقراءته في المسجد وفي الطريق بينه وبين منزله بسفح جبل قاسيون ، فلا يصح لأحد منهم نوبة إلا بعد أمد طويل (Cool. وفي كتب التراجم التي تتحدث عن الشخصيات العلمية لهذا العصر كثير من أمثال الشيخ السخاوي.
ويجئ بعد القرآن وقراءاته علم الحديث ورجاله ، وقد ظهر هذا العلم بمؤسسات خاصة أخذ كل منها اسم (دار الحديث) تمييزا لها من بقية المدارس ، وأول دار للحديث بدمشق أسست أيام السلطان نور الدين محمود ، ثم تبع من جاء بعده مثاله ، ومن هؤلاء صلاح الدين الأيوبي ، والملك الكامل محمد ، والملك الأشرف موسى والملك الصالح نجم الدين أيوب.
ويلي هاتين المادتين الرئيستين في الأهمية الدراسات الفقهية بمذاهبها الأربعة الرئيسية ، أما قواعد اللغة العربية والدراسات الأدبية والتاريخية فلم تكن إلا من المواد المساعدة التي تمهد للدراسات الدينية العميقة التي تتمثل في دراسة القرآن وقراءاته والحديث ورجاله ثم في دراسة الفقه ومسائل الخلاف.
ومن بين المذاهب الفقهية الأربعة يحتل مذهب الشافعي مكان الصدارة ، وبخاصة في عصر الأيوبيين ذلك رغم أن نور الدين محمودا ، الذي بدأ الاهتمام الجدي بالنشاط العلمي السني ، وكان يعتنق مذهب الحنفية ، وفي تتبعنا للنشاط العلمي الذي اتخذ طريقه من الشام إلى مصر في أواخر عهد نور الدين نجده يصطبغ بالصبغة الشافعية ، فقد عزل صلاح الدين قضاة الشيعة بعد سقوط دولة الفاطميين مباشرة ، وعين الشيخ صدر الدين عبد الله بن درباس الشافعي في منصب قاضي القضاة ، وعين هذا الشيخ بدوره نوابه في الأقسام الإدارية بمصر من رجال الفقه الشافعي (9) ، ثم لم يلبث صلاح الدين أن اتخذ خطوة أخرى في هذا الصدد عندما أسس مدرسة للشافعية بجوار قبة الإمام الشافعي وأتبعها بأخوات لها في جهات أخرى ، ومن ثم لم يكن في الدولة الأيوبية بمصر كثير ذكر لمذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل (10).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
historical
Administrator
Administrator
historical


الدولة : مصر
المحافظة : البحيرة
المدينة : فى قلب الحدث
الجامعة : الإسكندريه فرع دمنهور
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
قسم : التاريخ
الشعبة : عامه
عدد المساهمات : 2499
العمر : 37
الجنس : ذكر

الحياة العلمية في مصر والشام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحياة العلمية في مصر والشام   الحياة العلمية في مصر والشام Icon_minitimeالخميس 10 سبتمبر 2009, 14:27

ومنذ بدأ الاهتمام في الشام بإنشاء المدارس في عهد نور الدين محمود أقبل أصحابه وأمراء جيشه على التنافس في إنشائها ، وتابعهم على ذلك أصحاب الشام ومصر ، ومن اتصل بهم ، في عصر الدولة الأيوبية ، وكانت هذه المدارس موزعة بين المذاهب الأربعة الرئيسية وإن اختلف الإقبال عليها من مذهب إلى آخر فكان مذهب الشافعي في مرتبة الصدارة يليه مذهب أبي حنيفة ثم المذهب المالكي ، بينما كان لمذهب ابن حنبل المكانة الأخيرة ، إذ لم يقبل كثير من السلاطين أو الأمراء أو العلماء على تشجيعه بدرجة كافية ، بل كان بعضهم يقاوم انتشاره ونشاط علمائه ، ويؤيد أتباع المدرسة الشافعية في معاداتهم له ، ولعل السر في هذا أن رجال المذهب الحنبلي كانوا يحاولون في هذه الفترة النظرة إلى المسائل الشرعية نظرة تحليلية تعليلية ، ويردون شبهات المناظرين من المناطقة بحجج جدلية مشابهة تمشيا معهم في أسلوب مناظرتهم ، بينما كان الشافعية ، بزعامة إمامهم الأكبر ابن عساكر المحدث ، يلجئون إلى الحديث دائماً ويشككون في عقيدة الحنابلة وفي مقاصدهم.
ولعل السر في تقدم الشافعية على الحنيفة كذلك أن نور الدين الحنفي المذهب وقف من المذاهب الأربعة موقفا محايدا وشجع العلماء جميعا على مواصلة جهودهم العلمية ، ووجه كثيراً من جهده وماله لدراسة الحديث خاصة ، فأنشأ له مدرسة خاصة عرفت باسم دار الحديث النسورية ، كما قدم ابن عساكر المحدث الشافعي الكبير في مجلسه على سائر الأمراء والعلماء حتى كان ابن عساكر يضرب المثل بجلال مجلس نور الدين ووقاره وتعظيمه للعلم والعلماء ، ثم جاء بعد نور الدين خلفاؤه الذين حكموا مصر والشام باسم الأمراء الأيوبيين ومعظمهم من الشافعية المتعصبين لمذهبهم ، وفي مقدمة هؤلاء صلاح الدين الأيوبي ، وأخوه الملك العادل سيف الدين ، ثم الملك الكامل موسى بن الملك العادل ، ومما يدل على موقف الأيوبيين من الشافعية تأييدا ومناصرة أن أحد علماء الحنيفة كتب كتابا في الفقه سماه (النوري في شرح القدوري) وتعرض فيه لبعض رجال الحديث من الشافعية ، وبلغ خبر الكتاب صلاح الدين فاستدعى مؤلفه يوم جمعة في مسجد دمشق وطلب منه كتابه وأمر " بغسله " في ميضاة المسجد (11).
ودليل آخر أن المعظم عيسى صاحب دمشق ، ابن الملك العادل ، اعتنق المذهب الحنفي واهتم بدراسته والتخصص فيه ، فبلغ أمره والده الذي حاول أن يسترده إلى مذهب الشافعي ، فغضب المعظم وكلم أباه ومن حضر مجلسه من العلماء بلهجة يتحدث أبو المحاسن ، صاحب النجوم الزاهرة ، عنها " بأن السكوت عن ذكرها أليق " (12)، وذكر مؤلف " شفاء القلوب " أن مما قاله المعظم لأبيه حينئذ " أما ترضون أن يكون فيكم واحد مسلم ".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
historical
Administrator
Administrator
historical


الدولة : مصر
المحافظة : البحيرة
المدينة : فى قلب الحدث
الجامعة : الإسكندريه فرع دمنهور
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
قسم : التاريخ
الشعبة : عامه
عدد المساهمات : 2499
العمر : 37
الجنس : ذكر

الحياة العلمية في مصر والشام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحياة العلمية في مصر والشام   الحياة العلمية في مصر والشام Icon_minitimeالخميس 10 سبتمبر 2009, 14:28

ومما يدل على أن مذهب ابن حنبل كان لا يجد تعضيدا كافيا من الحكوميين أو من العلماء أن أبا شامة مدح أستاذه زين الأمناء ابن عساكر بأنه " كان لا يمر قرب صفوف الحنابلة حتى لا يأثموا بسبهم له " ، ويعلل أبو شامة هذا صراحة بالبغض العنيف الذي يكنه الحنابلة للشافعية ذلك البغض الذي كان متبادلا بين الفريقين ، حتى إن زكى الدين بن رواحة أنشأ مدرستين في حلب ودمشق وأباح الدراسة فيهما لكل من رغب الاستزادة في العلم على ألا يدخلها مسيحي أو يهودي أو حنبلي (13).
ولكن سيطرة الشافعية والحنفية على الحياة العلمية لم يمنعا تطور مذهبي المالكية والحنبلية ، بل شجعتها هذه السيطرة على المناضلة لمحاولة التقدم والرقي ، فنجحا إلى حد كبير ، وأمكنهما بذلك تقنين بعض قواعد الفقه الإسلامي المتعلقة بنظم الحكم السياسة فيما بعد ، وبخاصة جهود الفقيه والمصلح الاجتماعي الإمام ابن تيمية (14).
وكان لدراسة الطب في هذه المرحلة نصيب ملحوظ فكان الطلاب ينقلون دروسه النظرية ويقومون بتمريناتهم العملية في البيمارستانات ، حيث كان المرضى يعالجون من غير أجر ، وكان البيمارستان النوري بدمشق في مقدمة هذه المؤسسات الصحية العلمية نشاطا في هذه الحقيقة ، ومن بعده بيمارستان صرخد ، ثم بيمارستان القاهرة ، ومن أظهر أطباء هذا العصر ابن أبي أصيبعة الذي تلقى دراسته العلمية في صرخد والقاهرة وترك كتابا خاصا في طبقات الأطباء سماه "عيون الأنباء".
ويمكن أن نقول : إن هذا النشاط العلمي يدين بوجوده لعوامل ثلاثة متعاونة ، أولها كثرة المدارس وتنوعها ، وثانيها الهيئة الحاكمة من سلاطين وأمراء ، وأتباع للأمراء والسلاطين ، وسيدات الأسر الحاكمة ، وثالثها جماعة العلماء.
وقد تحدثنا من قبل عن العامل الأول.
أما العامل الثاني فإننا نجد أن رجال الحكم والسلطة ومن اتصل بهم ، كانوا يتنافسون في إنشاء المدارس ، وبعضهم كان يبادر إلى هذا فور توليه منصبه الجديد ، يجعله عربونا لدى قومه على حسن السياسة التي سيتبعها في إدارة شؤونهم ورعاية صوالحهم ، ولسيدات هذا العصر فضل كبير في تأسيس الكثير من المدارس ، ونذكر منهم على سبيل المثال ، الخاتون عصمة الدين زوجة السلطان نور الدين محمود ثم من بعده زوجة السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فقد أنشأت مدرسة فخمة في دمشق عرفت باسم المدرسة العصمية ، ومن أتباع السلاطين نذكر قايماز صارم الدين ، أحد مماليك السلطان صلاح الدين ، الذي أنشأ مدرسة باسمه بجوار منزله ، كما أنشا عدة ربط للصوفية في دمشق وفي غيرها من مدن الشام.
ومن العلماء نذكر القاضي شرف الدين بن أبى عصروان الذي أنشأ مدرسة باسمه تواجه منزله بدمشق أيضا ، والقاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني الذي أنشأ مدرسة في القاهرة للشافعية والمالكية ، وألحق بها مكتبة بلغت عدة كتبها مائة ألف كتاب.
وفي كتاب الدارس في تاريخ المدارس للنعيمي ، وفي كتب التراجم كذلك ، أمثلة لا تحصى للتدليل على هذه القضية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
historical
Administrator
Administrator
historical


الدولة : مصر
المحافظة : البحيرة
المدينة : فى قلب الحدث
الجامعة : الإسكندريه فرع دمنهور
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
قسم : التاريخ
الشعبة : عامه
عدد المساهمات : 2499
العمر : 37
الجنس : ذكر

الحياة العلمية في مصر والشام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحياة العلمية في مصر والشام   الحياة العلمية في مصر والشام Icon_minitimeالخميس 10 سبتمبر 2009, 14:29

ولم يقتصر اهتمام الهيئة الحاكمة ، ومن اتصل بها ، بحركة الإحياء العلمي على مجرد إنشاء المدارس ، وإنما كانوا يتخيرون لهذه المدارس أفضل الأساتذة وأتقاهم وأكثرهم قبولا لدى المتعلمين عامة ، بل كانت بعض المدارس تنشأ خاصة لعالم بعينه اشتهر بعلمه أو بمكانته بين الناس ، فقد أنشأ ناصر الدين القيمري مدرسة خاصة للأستاذ على بن محمود الكردي ، وقرر عند إنشائها أن يتولى شئونها بعد وفاة الشيخ الكردي أولاده وذريته.
ومن قبل أنشأ السلطان نور الدين محمود دار الحديث النسورية للحافظ أبي القاسم هبة الله بن عساكر الكبير محدث دمشق (الذي توفى سنة 571هـ).
وإنشاء مدرسة ما كان يعني في نفس الوقت تخصيص أوقاف بعينها يصرف إيرادها في إدارة هذه المدرسة وفي دفع مرتبات المدرسين والمعيدين وفي حاجات الطلاب الذين كانوا في أغلب الأحيان يقيمون بالمدرسة ، ويتغذون فيها ، ويحصلون منها على أدوات الكتابة والدرس ، بل كان من بين العلماء والطلبة من يتزوج ويقيم مع زوجه وأسرته في المدرسة التي التحق بها مدرسا أو طالبا .
ومما يدل على وفرة الأوقاف المخصصة للمدارس ، ما ذكره ابن جبير في (الرحلة) عن مدينة دمشق التي استغرقت الأوقاف معظم أسواقها ومنشآتها ، وتوزعتها المساجد والمدارس والربط ، وفي وصفه لإحدى المدارس الحنفية بحلب يقول : " ويتصل به (بجامع قلعة حلب) من الجانب الغربي مدرسة للحنفية تناسب الجامع حسنا وإتقان صنعة ، فيها في الحسن روضة تجاور أخرى ، وهذه المدرسة من أحفل ما شاهدناه من المدارس بناء وغرابة صنعة ، ومن أطرف ما يلحظ فيها أن جدارها القبلي مفتح كله بيوتا وغرفا لها طيقان يتصل بعضها ببعض ، وقد امتد بطول الجدار عريش كرم مثمر عنباً ، فحصل لكل من تلك الطيقان قسطها من ذلك العنب متدليا أمامها ، فيمد الساكن فيها يده ، ويجتنيه متكئا دون كلفة ولا مشقة" (15).
ولم يقتصر مورد هذه المدارس على الأوقاف الكثيرة التي كانت تخصص لها ، بل كان للعلماء إقطاعات خاصة يمنحها لهم الأمراء ومرتبات تصرف لهم من خزانة الدولة ، ويذكر القاضي الفاضل في إحدى رسائله إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي "أن أرزاق أرباب العمائم في دولته ، إقطاعا وراتبا يتجاوز مائتي ألف دينار ، وربما وصل ثلاثمائة ألف شهادة لله"(16).
ومن مظاهر اهتمام الهيئة الحاكمة بالنشاط العلمي ما نقرؤه من أن السلاطين أنفسهم كانوا يهتمون بالأخذ بنصيب من الثقافة بالقدر الذي تمكنهم منه ظروفهم ، فكان صلاح الدين يتلقى دروس الحديث من القاضي بهاء الدين بن شداد ، حتى وهو في ميدان القتال ، كما حاول أن يحفظ القرآن الكريم عندما وجد فسحة من الوقت ، وبدأ هذا فعلا ، ولكننا لا نعلم مقدار نجاح هذه المحاولة ؛ وفي الإسكندرية اعتاد أن يحضر دروس الحافظ السلفي مع من يصحبه من أولاده ورجال دولته ، واهتم العادل سيف الدين بثقافة أولاده حتى قيل : إن ابنه الكامل استطاع أن يحصل على إجازات علمية كثيرة من علماء عصره عن جدارة واستحقاق (17) .
كما قيل : إنه استطاع أن يعلق على صحيح مسلم علميا "بكلام مليح"(18). والكامل هذا هو الذي اعتاد أن يعقد ندوة علمية دورية مساء كل خميس يتناظر فيها العلماء ويتجادلون ، ويشاركهم الكامل في جدلهم ومناظراتهم (19) أما المعظم عيسى صاحب دمشق ، وشقيق الملك الكامل ، فقد درس الفقه على مذهب أبي حنيفة في عناية وعمق ، وقد سبق أن ذكرنا رده على والده الملك العادل حينما حاول أن يصرفه إلى دراسة الفقه الشافعي ، ويذكر سبط ابن الجوزي أن المعظم هذا اختار مجموعة من العلماء وكلفهم بدراسة مسائل الفقه الحنفي لإفراد القضايا التي اختص بها الإمام أبو حنيفة ، وتلك التي تنسب إلى كل من صاحبيه محمد وأبي يوسف ، وكانت نتيجة هذه المحاولة كتابا جديدا في الفقه الحنفي ، سمي التذكرة ، في عشر مجلدات ، فدرس المعظم هذا الكتاب بعناية ، وكتب بخط يده على كل مجلد منه عبارة تدل على أنه حفظ ما فيه جميعه ، فلفت هذا نظر سبط ابن الجوزي فقال للمعظم : "إن أعظم العلماء حفظا لا يستطيع أن يدعي أنه حفظ أكثر من كتاب القدوري ، وأنت تذكر أنك حفظت كتاب التذكرة جميعه !! إنني أخشى أن يؤخذ هذا عليك" فتحداه المعظم عيسى أن يجمع له من أراد من العلماء ليختبروا حفظه لهذا الكتاب وقال : "إن الألفاظ لا تهم ، وإنما الذي يهم هو ما تعنيه هذه الألفاظ"(20).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
historical
Administrator
Administrator
historical


الدولة : مصر
المحافظة : البحيرة
المدينة : فى قلب الحدث
الجامعة : الإسكندريه فرع دمنهور
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
قسم : التاريخ
الشعبة : عامه
عدد المساهمات : 2499
العمر : 37
الجنس : ذكر

الحياة العلمية في مصر والشام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحياة العلمية في مصر والشام   الحياة العلمية في مصر والشام Icon_minitimeالخميس 10 سبتمبر 2009, 14:30

واهتم المعظم كذلك بقواعد اللغة العربية ، فحفظ كتاب المفصل للزمخشري ؛ وكان يشجع على الحفظ والدراسة بما يقدمه من مكافآت مالية ، فمن ذلك قوله : "من حفظ الجامع الكبير للكرماني أعطيته مائة دينار ، ومن حفظ الإفصاح لأبي علي في النحو أعطيته مائتين ، فحفظهما جماعة ووفى لهم (21).
وعندما كتب سبط ابن الجوزي ترجمة المعظم عيسى في حوادث سنة 624 قال : "وفي هذه السنة ظهرت وفاة المعظم عيسى الملك الفقيه النحوي اللغوي ... " إلخ.
ولأمراء الأيوبيين نشاط آخر في ميدان المعرفة ذلكم هو التأليف والتصنيف ، فقد كتب المعظم عيسى كتابا في الفقه الحنفي ، كما نظم مجموعة قيمة من الأشعار جمعها في ديوان خاص ، وألف الناصر داود كتابه "الفوائد الحلبية في الفرائد الناصرية"، وخصص فيه فصلاً تحدث فيه عن أصل الأسرة الأيوبية ، وينقسم هذا الكتاب قسمين : أولهما يشمل الرسائل والمكاتبات التي وجهها الناصر داود إلى بعض الشخصيات الرسمية وغيرها ، وثانيهما يحتوي على الأشعار التي أنشأها مؤلفة في عشرة أبواب (22). وكتب المنصور محمد صاحب حماة كتابا عن تاريخ حماة والشخصيات التي زارتها أو استقرت فيها ، ويقع هذا الكتاب في جزأين ، وقد سماه صاحبه : "المضمار في التواريخ" (23).
وهكذا نجد أمراء الأيوبيين يسهمون في حركة الإحياء العلمي بطريق مباشرة بالتأليف والدراسة إلى جانب ما ذكرناه من قبل من مظاهر اهتمامهم بهذه النهضة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
(1) كانت إمارة الموصل وما تبعها خاضعة لسيف الدين غازي بن زنكي ولكن سياسته العامة ، وسياسة من جاء بعده ، كانت متفقة عام الاتفاق مع سياسة نور الدين ومتعاونة معها.
(2) قام ابن جبير برحلات ثلاث من الأندلس إلى المشرق : الأولى سنة 578 ، وهي التي كتب بعدها ، (الرحلة) والثانية بين سنتي 585 ، 587 وفي الثالثة استقر بالإسكندرية حيث توفي سنة 614 هـ.
(3) يقول ابن جبير في (الرحلة) : (وبالجامع المكرم) (يعني بدمشق) مدة زوايا يتخذها الطلبة للنسخ والدرس والانفراد عن ازدحام الناس) (الرحلة : 266) ويقول : (ودهليز الباب الشمالي فيه زوايا على مصاطب هي محاضر لمعلمي الصبيان) (الرحلة : 271). ويقول : (وفيه حلقات لتدريس الطلبة ، وللمدرسين فيها إجراء واسع) (الرحلة : 273).
(4) يقول المقريزي : (لم تكن المداس معروفة زمن الصحابة ولا التابعين ، وإنما حدث عملها بعد الأربعمائة ، فأول من حفظ منه أنه بنى مدرسة أهل نيسابور ، فبنيت بها البيهقية) الخطط : 2 : 363.
(5) يقول المقريزي : (وأول مدارسة قرر بها للعلماء معالم هي النظامية ، وقد تم بناؤها سنة 459) الخطط : 2: 363.
(6) وبنيت أول مدرسة بحلب سنة 516هـ ، وعلى حائطها تاريخ سنة 517 وتمسى بالزجاجية ، بناها بدر الدولة أبو الربيع سليمان بن عبد الجبار صاحب حلب عندئذ ، ولما أراد بناءها لم يمكنه أهلها أول الأمر لأن الغالب عليهم حينئذ كان التشيع . انظر الدر المنتخب لابن الشحنة.
(7) يقول ابن جبير : (وعند فراغ المجتمع السبعي من القراءة صباحا يستند كل إنسان منهم إلى سارية ويجلس أمامه صبي يلقنه القرآن ، وللصبيان على قراءتهم جراية معلومة ، وأهل القدرة من الآباء ينزهون أبناءهم عن أخذها) ويقول (وتعليم القرآن للصبيان تلقين ويعلمون الخط في الأشعار ونحوها) الرحلة : 273.
(Cool وفيات الأعيان : 1 : 434 – 435.
(9) يقول المقريزي : (لم يستنب عنه في أقاليم مصر إلا من كان شافعي المذهب ، فتظاهر الناس من حينئذ بمذهب الشافعي ومالك) الخطط : 2 : 343
(10) الخطط : 2 : 343
(11) مؤلف هذا الكتاب الشيخ ابن أبي اليعيش . انظر البستان الجامع لتواريخ الزمان في حوادث سنة 578هـ.
(12) النجوم الزاهرة : 6 : 211.
(13) الصفدي : الوافي بالوفيات.
(14) انظر : Laoust (H) : Essai sur les Doctrines Sociais et Politiqus de Taki – ad – din Ahmad b. Taimiya. Paris 1939
(15) الرحلة : 253.
(16) عيون الروضتين لأبي شامة ، مخطوط بالمتحف البريطاني.
(17) النجوم الزاهرة : 6: 288.
(18) النجوم الزاهرة : 6 : 227.
(19) نفس المصدر : 6 : 232.
(20) مختصر مرآة الزمان : 426 – 427.
(21) نفس المصدر.
(22) وهو مخطوط بالمتحف البريطاني برقم 3027 Brit. Mus. Or
(23) أبو شامة : المذيل على الروضتين : 124 ، سبط ابن الجوزي : مختصر المرآة 401 – 402 .
المصدر : المجلة التاريخية ، مجلد 7 ، سنة 1958م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
برينسس الشيماء
مشرف سابق
مشرف سابق
برينسس الشيماء


الدولة : مصر
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
الجامعة : الإسكندريه فرع دمنهور
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : الثالثة
قسم : التاريخ
الشعبة : عامه
عدد المساهمات : 2674
العمر : 33
الجنس : انثى

الحياة العلمية في مصر والشام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحياة العلمية في مصر والشام   الحياة العلمية في مصر والشام Icon_minitimeالأحد 20 سبتمبر 2009, 03:27

جزاك الله عنا خير الجزاء


مشكووووووووور زيزو للمعلومات القيمة

دمت فى عناية الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الحياة العلمية في مصر والشام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» خاتونات البيت الأيوبي ودَورهنّ في الحياة العلمية
» حركة الترجمة و دورها في إثراء الحياة العلمية في الحضارة الإسلامية
» حركة الترجمة و دورها في إثراء الحياة العلمية في الحضارة الإسلامية
» دولـة المماليك البحرية الأتراك فى مصر والشام
» الطريق بين مكة والمدينة والطريق بين الحجاز والشام والعراق واليمن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
آداب دمنهور :: منتديات التاريخ الاسلامى :: منتدى التاريخ الاسلامى-
انتقل الى: