أولاً : السيادة للشرع :
الأصل في النظم السياسية المعروفة أن السيادة للأمة، تشرع لنفسها ، وتفعل ما تشاء.
لكن الأصل في الإسلام أن السيادة لشرع الله ودينه، فإن الحكم في الأصل لله وحده، ليس لأحد حكم ولا شرع معه، وعلى الأمة أن تتقيد ولا تخالف أمره.
وقديماً قال أرسطو: "إن السيادة يجب أن تكون للقانون"، وخالف بذلك أستاذه أفلاطون الذي قال: "إن السيادة ينبغي أن تكون للحكام الفلاسفة"، ومع الفارق بين الفكرتين، فإن القانون الذي يعنيه أرسطو هو من وضع البشر سواء وضعه فرد أو جماعة، وهو مهما بلغ قاصر قصور الإنسان الذي يجهل نفسه، ولا يستطيع أن يضع لها منهجاً يغنيهـا عن دين الله الذي أحاط بكل شيء علماً.
والشرع الذي له السيادة عندنا هو القرآن الكريم ، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم "(النحل:4).
فالقرآن الكريم هو دستور الحكم ودعامته الأولى، فمن أجله أقيم، وعليه يعتمد في نظامه وإدارته وسياسته، وطاعته، فهو مصدر السيادة، إليه يرد الأمر عند الخلاف، وبأحكامه وتعاليمه يلتزم الحاكم والمحكوم ، فهو الذي يحدد صورة الحكم ومادته، كما أنه الأساس الذي تبنى عليه الحياة في الدولة كلها.
ولا تقدر الحقوق ولا الواجبات، ولا تنفذ القوانين والعقوبات إلا بحكمه، ولا تعلن حرب ولا يجنح لسلم، ولا يعقد صلح، ولا يبرم عهد إلا باسمه ورسمه، هو الحاكم على الإمام والأمة، وهو الحكيم في كل قضية:
قال تعالى: "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" (المائدة:48).
ومن ثمَّ فهو عصمة الأمة، وجامع كلمتها، كما أنه نظامها وقانون سعادتها، وكل حكم أو نظام لا يقوم على أساسه أو يشذ عن أحكامه فهو باطل منهار.
ثانياً : مسؤولية الحاكم :
الأصل في نظام الحكم في الإسلام أن رئيس الدولة هو المسؤول الأول عن إدارة شؤونها، غير أن بعض الفقهاء من المسلمين أجازوا لرئيس الدولة أن يفوّض لغيره مباشرة سلطته وتحمل مسؤوليته، مادام في ذلك مصلحة عامة، واستدلوا بقوله تعالى حكاية على لسان نبيه موسى عليه السلام: "واجعل لي وزيرا من أهلي هرون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري" (طه).
قالوا: فإذا جاز ذلك في النبوة كان في الإمامة أجوز، واستدلوا بأن تدبير الأمة لا يطيقه الإمام إلا باستنابـة شخص أو وزارة تضطلع بالأمر يسمُّونها وزارة تفويض ، أي يفوض إليها تدبير الأمور باجتهادها، وتكون هي المسؤولة بالنيابة.
لكن ذلك لا يخلي الإمام شرعاً من المسؤولية ، وفي عنقه بيعة وأمانة، والله يقول: "ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى" (فاطر).
فالحاكم مسؤول بحكم المسؤولية العامة، قال صلى الله عليه وسلم : "... كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته..." (متفق عليه).
إن الحكم في الإسلام تكليف ، وإنه عقد التزام وتوكيل، وإن الحاكم في الإسلام مكلف ومسؤول، وعليه الوفاء بما التزمه أمام الله والأمة التي وكلته.